ولو كان لدي ادنى قناعة بان الرجل «تجرأ» على منزلة النبوة او اساء لرسولنا عليه السلام لكنت اول من نهض للدعوة الى محاسبته.
لكن ذلك لم يحدث، وهو ما فهمناه من بيان دائرة الافتاء رغم انني ما زلت متحفظا على دخولها الى هذه «الواقعة» الملتبسة مما يعني اننا امام صراع سياسي ومهني جرى توظيف «الدين» فيه لابراز الرجل والاساءة اليه وقبل ذلك الاساءة الى الدين الذي يجب ان ندافع عنه مهما كانت مواقفنا السياسية واختلافاتنا الشخصية والمهنية.
لو كان هدف هؤلاء الذين خرجوا للاعتصام «نكاية» بالنقيب او للالحاح عليه لتقديم استقالته هو الانتصار لرسولنا عليه السلام لكانوا التمسوا طريقين: احدهما مخاطبته بالحسنى لتوضيح موقفه والاعتذار عما قاله اذا كان أسيء فهمه ثم مطالبته –اذا اصر على ذلك- بالاعتذار او الرجوع عما قاله –هذا لو افترضنا انه اخطأ او اساء، اما الطريق الآخر فهو التوجه «الى القضاء» للحكم في المسألة وعلى موازين العدالة –عندئذ- ان تقول كلمتها ببراءة الرجل او اثبات التهمة عليه.
هذا لم يحصل بالطبع لان الذين «تصيدوا» الحادثة وضعوا انفسهم في منزلة القضاة وليس الدعاة، وارادوا ان يستثمروا المسألة لاهداف اخرى لا علاقة لها بالدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالانتصار لسنته.
لا اريد ان اناقش المسألة من وجهة نظر «شرعية»، فبمقدور من يريد ان يعود لفتاوى علمائنا حول صفات الرسول صلى الله عليه وسلم واعماله ومعنى عصمته ان يفعل ذلك لكي يفهم موقف الشريعة على حقيقته، لكنني استأذن في الاشارة الى ملاحظتين:
اولاهما ان من يدقق فيما حدث من «ملاسنات» واعتصامات ومطالبات يجد ان القضية جاءت في سياق «صراعات» سياسية ومهنية وان من تبنى صرفها الى دائرة «الدين» كان يراهن على «صدمة» التهمة وهي الاساءة الى الرسول صلى الله عليه وسلم ووقعها على الجمهور، ومع غياب الرأي الصحيح القائم على معرفة الدين والواقعة التي حصلت تسرع البعض في الحكم، وجرى اللعب بالدين وفق حسابات سياسية محض.. وتم تحميل الحادثة اكثر مما تحتمل بشكل يغلب فيه منطق «الابتزاز» على اي منطقة اخرى.
اما الملاحظة الثانية: فتتعلق «بتوقيت» اثارة المسألة وتوظيفها وهنا اسجل اكثر من نقطة منها انني تمنيت على الذين «نفخوا» في كير «سوء الفهم» ان ينشغلوا بقضايا الساعة الكبرى من حريات عامة واصلاح وعدالة وغيرها من اولويات المجتمع بدل الانشغال بهذا «الخلاف» الجزئي ومنها ان على الاسلاميين –تحديدا- ان يبعثوا برسائل مطمئنة الى مجتمعاتهم تستند الى «الاسلام» الصحيح الذي يقدم العفو على العقاب والسماحة بدل تصيد الاخطاء اذا كانوا يريدون حقا ان يقنعوا الناس «بالحكم الرشيد» وبالدولة المدنية الديمقراطية التي يحتكم فيها الجميع للقانون لا الى المكاسرة وتصفية الحسابات.
في بلدان اخرى انتهت من «الاستبداد» ثمة سجالات ونقاشات حول علاقة الدين بالدولة والاسلاميين ومستقبلهم في ظل الديمقراطية وثمة وثائق «استرشادية» اصدرها الازهر وحزب النهضة في تونس ودعوات لاعادة النظر في «المؤسسات الدينية» وكلها تكشف حاجتنا الى قراءات اخرى لديننا ومواقفنا واحكامنا لكي ندافع عن الدين حقا بدل ان نسيء اليه بحجة الدفاع عنه.
ما احوجنا الى مثل هذه النقاشات الآن.
أساؤوا إلى الدين بذريعة الدفاع عنه
أخبار البلد -
يؤسفني ان اقول بان ما حدث في قضية نقيب المحامين الاردنيين لا يمكن فهمه الا في سياق واحد وهو: الاساءة الى الدين، والذي اساء لم يكن النقيب وانما الذين خرجوا لتصفية حساباتهم معه باسم الدين.