لقد شهد التّاريخ للمعلّم بالرِّفعة والقَداسة، فكان تاج الرؤوس ذا هيبة ووقار، لا يُجارى ولا يُبارى في المجتمع فهو الأمين المستشار وهو الأب الحنون البار لدى الكبار والصغار، وهو السّراج الّذي ينير الدرب للسالك، يروي العقول والأفكار ويحميها من الانحراف والانجراف نحو التيارات الفاسدة المضرّة ، فالمعلم مرب في المقام الأول والتعليم جزء من عملية التربية. وقد أشار القرآن الكريم إلى دور المعلمين من الأنبياء وأتباعهم في كثير من الآيات القرآنية مبيناً أن من أهم وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم تعليم الناس الكتاب والحكمة وتزكية الناس – أي تزكية نفوسهم وتطهيرها – فقال الله تعالى {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ). وقد بلغ من شرف مهنة التعليم أن جعلها الله من جملة المهام التي كلف بها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}. وقوله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}. وقوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) . ولكي ينجح المربي المسلم في عمله التدريسي والدعوي وفي تأدية أدواره الأخرى في المجتمع الإسلامي والمجتمع العالمي لا بد أن تكون له شخصيته الإسلامية المتميزة .فالمعلم ليس مجرد ملقّن للمعلومات أو حارس للفصل الدراسي من الفوضى. لكنّ المعلّم من يساعد طلابه على اكتساب المعارف والمهارات، كما يهتم بصحتهم وبتوافقهم الشخصي والاجتماعي، وبآمالهم وأهدافهم وطموحاتهم، يساعدهم ليكونوا أجيالاً عالمة ناقدة مثقفة لا حملة شهادات وألقاب جامعيّة فارغة. أجيالاً عالمة بعلم نافع وكثير يخدم الحياة والتطوّر على المستويات جميعاً: الفكريّة والصناعيّة والزراعيّة والتجاريّة والصحيّة والقانونيّة والتربويّة، أجيالاً ناقدة أي محصنّة ضد البشاعة والغوغائيّة والسطحيّة والتفاهة والسخف والادّعاء على الصعد كافّة: الفكريّة والفنيّة والسياسيّة والدينيّة حتى المعيشيّة. لذلك اشتهر القول ( من علّمني حرفاً كنت له عبداً ) أي خادماً . ولا ننسى في هذا الصدد أن نذكر قول أمير الشعراء أحمد شوقي في المعلم: قـم للمعــلّم وفّه التّبجيلا كاد المعلّم أن يكون رسولاً أريت أعظم أو أجلَّ من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاً المهنة المقدسة، مهنة الأنبياء والرسل، التي كان ينظر إليها بإكبارواحترام على مر العصور، ولا تخلوا منها حضارة بشرية مهما كان مستواها، كيف لا وهي المهنة التي تتولى التعامل مع عقل الإنسان، وهو أشرف ما فيه، وهي التي تنمي في الإنسان أعظم خصيصة ميزه الله بها وهي خصيصة العلم. فالإنسان الحق عقل في جسد. بعث الأنبياء ـ عليهم السلام ـ معلمين يعلمون الناس الكتاب والحكمة ويزكونهم، ولم يورثوا دينارا ولا درهما، وجعل الله العلماء ورثة الأنبياء. فنعم الإرث ونعم المورث. وما نقص قدر العلم والتعليم إلا بعدما صرنا ننظر إلى التعليم على أنه وظيفة تؤدى لأجل المقابل المادي، وصرنا ننظر إلى المعلم بعدد ما يمكثه من ساعات بين جدران المدرسة، ففقد العلم والتعليم قدسيته، ورتع في حمى التعليم من ليس أهل له! التعليم مهنة "ربانية" فالله علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.. وعلم آدم الأسماء كلها، وبعث الرسل معلمين، والمعلم يتعامل مع أشرف ما في الإنسان: عقله، ويعطيه من نتاج فكره .. فالتعليم هي المهنة التي لا يمكن أن يستغني عنها الإنسان. على الرغم من أنهم يحملون على عاتقهم المحن التي تواجه المجتمع ويتعرضون للوم نتيجة تقصير المدارس في أداء دورها وكذلك يتعرضون للنقد بخصوص المشاكل الناشئة عن فشل بعض الاسر في التربية . إلا أن المدرسين يقومون بأداء أكثر الأعمال أهمية فلا يمكن للجراح أن يعالج الجروح أو للمندس المعماري أن يبني أو للعالم أن يبحث بدون المعلمين الذين ساعدوا على تعلم تلك الأعمال والأعمال العديدة الأخرى . فكر فقط في إحدى المدارس الابتدائية التي ينقصها الصف الثالث أو إحدى المدارس الثانوية بدون السنة الأخيرة أو جامعة بدون الطلبة الجدد ندرك أهمية مكانتك فيما يمكن أن يسمي مملكة المعرفة إن وجودك أيها المعلم شيء ضروري وأساس ويمكن أن يستغل وجودك بطريقة سيئة أو يمكن أن يستغل لتحقيق المجدد لطلابك ولك أنت شخصياً من خلال نجاح طلابك ، كما يمكن أن يخدم الإنسانية كافة ويصدق من هذا الكلام في عالمنا المعاصر مثلما في العصور القديمة . إن وظيفتك سامية ونبيلة ومهمتك مقدسة . •حجرة الدرس هي ميدانك وأنت القائد ، فيجب أن تحكم السيطرة كي تصبح قائداً ناجحاً ، ولكي تحكم السيطرة يجب أن تحظى باحترام الطلاب وعليك أن تنسى مسألة أن تجعلهم يعجبوك في البداية لأن هذا سوف يحدث إذا نلت احترامهم ، وسوف تحظي بمثل هذا الاحترام عندما تكون عادلاً ولديك مبدأ ثابت في التعامل مع جميع الطلاب . لا تهدد أو تتوعد ضع أهدافك لنفسك ولفصلك وقم بمراجعتها من حين لآخر وتذكر أن كل طفل فريد في سعاته ومكونات الشخصية وان كل طالب لديه شيء يمكن أن يجعل بطريقة ما أفضل من الآخرين ... اكتشف هذا الشيء وحاول أن تظهره ولا تنسى أن مهمتك هي أن تنصت وتتحدث . ومما يزيد المعلّم شرفاً وعزّة أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّما بُعـثت معلّمـاً ) ولقد أثبتت البحوث التربويّة أنّ التدريس الفعّال يعتمد بالدرجة الأولى على شخصيّة المعلّم وذكائه ومهاراته التدريسيّة التي يتمتع بها. ويشير عالم من علماء التربية هو شاندلر إلى أنّ مهنة التدريس هي المهنة الأم .وذلك لأنها تعتبر المصدر الأساس الذي يمهد للمهن الأخرى ويمدها بالعناصر البشريّة المؤهلة علميّاً واجتماعيّاً وفنيّاً وأخلاقيّاً. ويعتقد المعلمون أنّ عملهم في مهنة التدريس هو خير ما يمكن أن يقدموا لمجتمعاتهم، وليس هذا فحسب، بل أنهم بعملهم إنّما يسهمون في تشكيل مستقبل تلك المجتمعات بتكوينهم لشخصيّات الشباب منذ نعومة أظفارهم، هؤلاء الشباب الذين يحملون عبء المسؤوليّة في مستقبل أوطانهم وشعوبهم . للتربية أركان ثلاثة هي : المعلم والمنهج والمتعلم ، أهم تلك العناصر ؟ لاشك أنه المعلم ! لماذا ؟ لأن المعلم هو الصائغ الذي يستطيع أن يوظف المتاح من المناهج حتى يصل إلى منتج أو مُخرج أفضل وهو المتعلم أيا كانت قدرات واستعدادات وميول هذا المتعلم !! فإن ابتلي المعلم بمناهج ومقررات غير التي يأمُل ؛ استطاع بحنكته وخبراته أن يوظفها ويعدلها ويطورها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فهو في هذا كالقاضي الفطن الذي لا يشغله القانون ومواد القانون بقدر ما يشغله الحكم العادل ، وهو ما قيل فيه : " إن القانون الفاسد يصلحه القاضي العادل ، والقانون العادل يفسده القاضي الظالم " ، وكذلك الشأن بالنسبة إلى المعلم والمناهج أو غيرها من المؤثرات التعليمية . وإذن فلابد لهذا المعلم من جوانب مختلفة ومتعددة تميزه عن غيره وتؤهله لهذا المهنة العظيمة من قدرات ومهارات وميول واستعدادات وقيم وأخلاقيات يستند إليها في عمله ويرتكز عليها عند قيامه بمهنته وفنه ! ولذا كانت تلك المهنة هي أشرف المهن على الإطلاق، كما استحقت أن تشرف بأن تكون مهنة الأنبياء والمرسلين المباشرة والرئيسة ، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - :" .. إن الله لم يبعثني منعتا ولا مُتعنتا ، ولكن بعثني معلما مُيسرا " رواه مسلم . لذلك علينا اعطاء المعلم المكانه التي يستحقها ,نظراً لأهمية دوره في بناء وتأهيل قادة المجتمع وعلى القول التربوي الدارج ان المعلم امة في واحد فأذا اردنا بناء امة متميزة فعلينا بناء معلم متميز . واخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين .
( إنّما بُعـثت معلّمـاً )
أخبار البلد -