في الدول المتقدمة تصنف الصحافة و الإعلام كسلطة رابعة قد تتقدم في المنزلة و الأهمية و التأثير على السلطات التقليدية: التنفيذية و التشريعية و القضائية حيث تلعب دور المراقب و المقوم و المحاسب لها جميعا، و لكم يحفل تاريخ الإعلام بصفحات أسقطت الرؤوساء و الحكومات و السياسيين و لعل من أشهرها فضيحة وترجيت التي أحاطت بالرئيس نيكسون و حكومته، و لعل وثائق ويليكس أضافت الى قوة الإعلام و أظهرت الحقائق المخفية و ما يدور وراء الكواليس و في الغرف المغلقة و جعلتها في مقدمة الاهتمامات العالمية و لم تعد وسائل الحظر و السرية تجدي نفعا و أصبحت الفضائح في كافة المجالات وجبة دسمة للإعلام و الجمهور على حد سواء.
هذا يحصل في الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها و مواطنيها و تعتبر المواطنين شركاء في العملية السياسية و ما يتفرع عنها لا خصوما و لا طفيليين على مائدة السلطة أما في بلادنا فالأحكام العرفية و الطوارىء تغلغلت في عقول المسؤولين و الرسميين مع أن العمل بها على واقع الأرض قد توقف، و لولا الخوف من النقد لعادوا الى زمن إصدار البيانات بوجهة نظر واحدة دون أسئلة و لا استفسارات و وجع رأس، فالإعلام ما لم يكن في جيبهم فهو عدو يتربص بهم ليوقعهم في شر أعمالهم، و إذا ما اتصل صحفي بمسؤول لمتابعة قضية و ليس لمسح الجوخ فإن المسؤول غالبا ما يكون خارج التغطيه!!.
موارد جيت، فوسفات جيت، أموال الأيتام جيت، شاهين جيت، الباص السريع جيت و الجيت المخفي أعظم!! و كيف كنا لنعرف عنها لولا الإعلام الذي سلط الضوء عليها مرارا و تكرارا و عبأ الرأي العام و أحرج الحكومة و اضطرها الى فتح هذه الملفات .
و الأخبار التي سربت عن قضايا الفساد لم تكن من تأليف صحفي مبحر في الخيال بل كان أغلبها مدعم بالوثائق و الملفات، و لذا فإن إقرار مجلس النواب لقانون تغريم من ينشر أخبار الفساد ما هو الا حلقة في مسلسل التواطىء الذي يريد أن يُبقي الشعب" نايم على وذنه" ألف ليلة و ليلة يحلم بفتة الإصلاحات الدستورية!! إن الدخان الذي نشرته وسائل الإعلام كان وراءه لهب متصاعد اكتوى الشعب به، فكيف يحمي المشرعون المفسدين؟! هذا لعمري في الأمور غريب!!.
إن الفاسد و السارق و المرتشي و المرابي و المحتكر قد اغتال شخصه و ضميره و اغتال بلده، و التضحية به على مذبح العدالة و الحقيقة هو أقل قربان يقدم للوطن، و كان الأحرى بالنواب الكرام المشاركين في جلسات الفستق أن يغضبوا لله و رسوله و للشرائع فيوقعون الغرامة و العقوبة المغلظة على من ينتهكهم، أم أن الدين و الشريعة لا بواكي لهم في مجلس النواب؟!.
أما الإعلام الأردني إذا أراد أن يتمسك بالنزاهة فنقترح على نقابة الصحفيين استحداث صندوق جديد في النقابة باسم (صندوق تسليف الغرامة) كالذي استحدثه قانون الأحوال الشخصية في حالة الطلاق باسم (صندوق تسليف النفقة) فيبدو أن الطلاق مع هكذا مشرعين و مجالس تشريعية طلاق بائن بينونة كبرى لا يصح معه تحليل و لا تراجع و لا تفاهم!.
أما الإعلامييون فبين خيارين كما جاء في المثل الروسي "إذا كنت ديكا فارفع عقيرتك بالصياح أما إذا كنت دجاجة فضع بيضتك و اصمت" و هناك مواضيع كالجمال و الطبخ و الأبراج و الأخبار الاجتماعية و الوفيات لا تكلف قرشا و لا تُحمّل هما و لا تحرك ساكنا.
قيل إن الأنظمة التي تلجم الأفواه و تحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها...و هذه بشرى خير لعلها تتحقق قريبا.