ثمة أسئلة كثيرة ومحيرة تدور في عقول صغار المستثمرين حيال الموقف السلبي للجهات الرقابية المختصة بحماية أموالهم أو ما تبقى منها، بعد أن تكبد السوق المالي خسائر كبيرة افقدهم "تحويشتهم".
الدور المطلوب من هذه الدوائر، وتحديدا هيئة الأوراق المالية ومراقبة الشركات، يتمثل بتحمل مسؤولياتها التي تقتضي حماية حقوق المساهمين من خلال تطبيق التشريعات واتخاذ أقسى العقوبات بحق من يخالف.
ما تمارسه هذه الجهات اليوم يفتقد لتفعيل مبادئ الحوكمة والشفافية وإدارة المخاطر، ما ولّد شعورا لدى المستثمرين بسقوط جدار الحماية الأخير عن ممتلكاتهم بعد أن وضعت هذه الجهات صلاحياتها جانبا واحتفظت بدور المشاهد. ونجم عن الغياب الرسمي الواضح، تجاوزات من قبل مسؤولي الشركات لم يعد السكوت عنها ممكنا، حيث تكشف التقارير المالية للشركات وتقارير مدققي الحسابات تصرفات غير مقبولة منهم، تتمثل باستغلال مواقعهم بشكل يعتدي على حقوق الغير، ويهدد المراكز المالية للشركات التي يديرونها. الالتفاف على التشريعات بدأ منذ سنوات، وتمثل بالاكتتاب الذي وفّر للشركات أسلوبا مبتكر للاستيلاء على أموال الناس، إضافة إلى قيام شركات مدرجة أسهمها في السوق بزيادات في رساميلها تم تغطيتها من قبل المساهمين.
والحال المتردي الذي بلغته شركات المساهمة العامة والتي يعتقد القائمون عليها أنها ملكهم ومن حقهم التصرف بما كما يشاؤون، يدفع باتجاه ضرورة تحرك الجهات الرقابية بحيث تضع حدا لمثل هذه الممارسات، وتوقف استغلال المواقع المتقدمة التي تولاها البعض وسخّروها لخدمة مصالح ومكتسبات خاصة.
على هيئة الأوراق المالية متابعة أداء جميع الشركات المدرجة لديها، وفرض تطبيق القانون بما ينسجم مع أصول الحوكمة والشفافية من خلال محاسبة من استغل أموال الغير، فهي أيضا أموال عامة.
الفساد في القطاع الخاص وشركات المساهمة العامة لا يقل خطورة عن الفساد في القطاع العام، لا بل يمكن القول إن الأول أخطر من الثاني كونه يستنزف أموال الناس مباشرة ويسرق استثماراتهم بعد أن يجيرها ليملأ جيبه بالمال. المخالفات الموجودة في الشركات صارخة، وتبدأ ببيع أرض لهذه الشركات وعدم تسجيلها باسمها، وكأن هذه الشركات مزارع لهم يحق لهم فعل ما يحلو لهم بها، ولا تنتهي سلوكياتهم عند الحصول على ذمم مالية من هذه الشركات بعشرات الملايين، فأموال هذه الشركات سائبة لا حسيب أو رقيب.
رواتب إدارات هذه الشركات دليل جديد على الفوضى التي تعمها، فحساباتها المالية هي حسابات خاصة لرؤساء مجالس الإدارة وأعضائها، فترى الأموال تنفق على رحلات ترفيه عائلية، ودعوات هنا وهناك، كل هذا من أموال المساهمين، فأين العدل؟ وأين دولة القانون؟
التجربة أثبتت أن التصرف بأموال الشركات المساهمة شابه خلل كبير، وبدل الحفاظ عليها وتعظيمها تم استنزافها وتضييعها، وسط إهمال حكومي للتقارير والبيانات التي تكشف كل الممارسات الخاطئة وتعري إدارات هذه الشركات. على الجهات الرسمية أن تذهب حد التطرف في تطبيق القانون حتى لو اضطرت أن تضع يدها على بعض الشركات وتعين لها لجان إدارة، عسى أن تنقذ جزءا مما تبقى من الشركات وأصولها، قبل فوات الأوان وتجد الحكومة نفسها أمام فضيحة جديدة لا تقل وزنا عن قضية البورصات العالمية.
تواطؤ مع الفساد!
أخبار البلد -