مرعبة حقاً ھي تجربتنا الوطنیة في إضراب المعلمین لكن ما ھو أخطر مما حصل في ثنایاھا وروایة تفاصیل
حكایاتھا الوطنیة المؤلمة وجذورھا التاریخیة والمستحدثة أن نتعامل معھا بمفھوم القطعة بمعزل عما سبقھا من
سیاقات أو ما رافقھا من دلالات او ما تبعھا من نشوء ثقافات وما أحدثتھ بالنتیجة في تشكیل وصیاغة مفردات
السلوك الجمعي العام لدى الأردنیین ومن المؤسف حقاً أن تطوى الصفحة دون بحث جدلي فلسفي علمي واجتماعي
من قبل المثقفین الأردنیین فآثار الأزمة لا تزال تتجسد یومیاً بشكل أو بآخر وتلقي ٍ بظلال ٍ قاتمة على ٍ مشھد یعتقد
عن عمل وانتھت بمباشرتھ
..البعض فیھا أن القضیة بدأت بامتناعٍ
لعل القضیة الأخطر التي یتوجب أن نجیب علیھا ھي الاستفسار عن أسباب غیاب المثقف الوطني الأردني عن
المشھد برمتھ والذي یقود اتجاھات الوعي الجمعي ً ابتداء ومن المؤسف حقاً أن یكون الإنسان المثقف لدینا صاحب
أیدولوجیا سیاسیة وبالتالي فھو صاحب موقف سیاسي ورأیھ بالنتیجة لا یخلو من الغرض الذي یخدم توجھھ
العقائدي أو یتاثر بھ بالضرورة وعبر التاریخ فإن المثقف الأردني لم یولد من رحم المعاناة الوطنیة بل جاء نتاجاً
لحالة وثقافة الغیر الواردة من الخارج فإما أن یكون (إسلامیاً أو یساریاً) وحتى وإن ولد من رحم تلك المعاناة
الوطنیة فلا یحظى بما یتمتع بھ زمیلھ المؤدلج من صناعة وتوظیف وقبول لذلك وجدنا في أزمتنا الوطنیة أننا
مجتمع مأزوم بثنائیات الاستقطاب التي مزقت وشرخت النسیج الوطني تحت بند ما یسمى (معارضة وموالاة) في
حین أن المثقف الوطني ھو إنسان مستقل بطبیعتھ وثائر على مفھوم قیود السلطة والأیدولوجیا ویقوم بنقدھا ونقضھا
ویتساوى لدیھ مفھوم الحاكم والمحكوم تحت بند (مصلحة الدولة) فیتخذ مواقفھ ویعلنھا على أسس وطنیة ولو
تعرض لاغتیال الشخصیة على حساب بث الفكرة للجمھور المستھدف بالوعي ومن ھنا فإن الازمة كشفت عن مدى
..رخاوة الطبقة المثقفة الوطنیة والتي یتوجب صناعتھا
النتیجة الطبیعیة لغیاب المثقف الوطني الأردني بوصفھ القوة الناعمة للدولة بمفھومھا (الشعب والاقلیم والسیادة) لا
بمفھوم السلطة كانت حتمیتھ وصیرورتھ مرعبة فالأمر تجاوز حقیقة ما شھدناه من (فقدان للسیطرة على مرفق عام
واغتصاب حقیقي وفعلي لسلطة مدنیة وسیاسیة) بل سقوط مفردات الاستقرار المتمثلة بسقوطھا ذھنیا في عقلیة
المجتمع فركائز الدولة (المؤسسات الدستوریة) من سلطة تشریعیة وتنفیذیة وحتى القضائیة التي لم تسلم من الطعن
تھاوت تباعاً في ذھن المواطن وكان التیار الذي یقود ویبني ویرسخ الثقافات المستحدثة اقوى مما یوصف بأنھ
جارف على مواقع التواصل الاجتماعي وشھدنا تجربة مریرة كشفت عن فجوة خطیرة ما بین وسائل الخبر
والتحقق والتوجیھ الاخباري الإلكتروني والورقي المرئي منھ والمسموع والعجز عن إسقاط تلك المنظومة على
حالة ومنظومة وسائل التواصل الاجتماعي واستیقظنا فجأة على ٍ درس ٍ قاس مفاده عدم وجود جیش الكتروني للدفاع
عن المملكة وإن وجد فلقد أخفق في تقدیم المحتوى أو صد عملیات الأختراق وبناء ھندسة الاعتقاد القادمة من واسع
..علم غیب الله
لیت الأمر توقف عند ھذا المستوى فھذه مؤسسات تمثل حالة إجرائیة وتنظیمیة یمكن ترمیمھا وإستعادة ھیبتھا
والثقة فیھا من خلال إجراءات علمیة مدروسة على مستویات قصیرة ومتوسطة وبعیدة الأجل لكن ماذا نقول عن
سقوط الجوھر القیمي للمجتمع الأردني وكیف یمكن ترمیم ذلك!!؟ حقیقة لقد قامت أزمة المعلمین بفتح صندوق
الشیطان وقد سقطت مع ذلك ثلاث قیم جوھریة كانت الرافعة والمضمون الحقیقي التي تعبر عن جوھر الشعب
أولھا (سقوط مفھوم الحلال والحرام) وثانیھا (سقوط مفھوم الأخلاق) وثالثھا (سقوط مفھوم التربیة من التعلیم)
فسؤال واحد تم توجیھھ حول مدى ّ حل راتب المعلم لشھر ایلول من حرمتھ كان كفیلاً بالترویج لأفكار أكثر من
ھدامة دخلت بنا بمتاھات لا یعلم مستقرھا إلا الله وتفجرت موجة من الفعل ورد الفعل قوامھا الاستئصال الفكري
والشخصي ما بین ثنائیات الاستقطاب نشأ عنھا سقوط مدوي لكل أخلاقیات المجتمع من شتم وقذف وذم وتحقیر
.. ّ وبغض وكراھیة فأخفقنا جمیعا بتقدیم القدوة للناشئة والجیل إلا من رحم ربي وھذا یجب ألا یتكرر.
وهذا يجب ألا يتكرر..
أخبار البلد - اخبار البلد-