يتأهب المشهد المحلي لمخاضات جديدة ذات صلة بالتخطيط لمستقبل بلادنا في السنوات المقبلة، وفي مقارنة سريعة لما كان يطرح مطلع العام وما يطرح اليوم من سقوف وأفكار، فإن الربيع العربي فرش بعضا من لونه الاخضر على امتداد الجغرافيا الاردنية، وبما يتيح لنا جميعا، شعبا ومعارضة وحكومة، ان نعيد صياغة خطابنا الداخلي وكذلك الخارجي بما يتوافق مع مصلحتنا ومستقبل اطفالنا.
كان الشارع يتحدث قبل ثمانية أشهر عن الفساد بتعميم مفرط، اليوم ينتقد الفاسدين باسمائهم وهو ما كان حاضرا في غير مهرجان واعتصام ومسيرة، ويتوافق مع ذلك أهمية العامل الاقتصادي بالنسبة للاردنيين الذي مايزال يشكل العامل الرئيس في تقييمهم لأي سلطة او برلمان، ومن الواضح أن سؤال معيشة ورفاه الاردنيين ظل معلقا طيلة الأشهر الثمانية وبما لا يساعد على الانتقال من حال إلى اخرى باعتبار أن الضعف ما يزال قائما.
الضعف يكمن في غياب الفريق الاقتصادي الذي يمتلك معلومات وتحليلات تساعد في رسم صورة أفضل لأحوال الناس وللاقتصاد عموما، وفي موازاة ذلك ثمة ضعف في التخطيط كشفته السنوات الماضية، وتعطلت وفقا لهذا الضعف كل الادوات والاليات التي كان من الممكن ان تحسن من ظروف الحياة. ومن نافل القول انتقاد التيارات التي حاولت التباكي على جراح الاردنيين سواء كانت تلك التيارات من الليبرالية الجديدة او من الحرس القديم والمحافظ او حتى من يجيدون الخلط بين الاثنين سعيا وراء طريق ثالثة لم نقتف اثرها حتى الان، فجل هذه التيارات وشخوصها زادوا من نكد العيش وكانوا سببا في افقار المزيد وازمتهم أنهم يبحثون عن حلول وهم سبب رئيس في مأزق الفقراء.
نحتاج إلى نخب تعرف الناس ويمكنها الاقتراب من نبضهم. وفي ظل الربيع العربي، فإن الوصول إلى آليات لمراقبة ومحاسبة الفاسدين ليست بعيدة عنا، وبعد كل هذا الصراخ الذي ملأ شوارع وأزقة وميادين العاصمة وباقي المدن والمحافظات، ليس من المقبول أن نعيد الكرة مرة اخرى وتبقى ايدي الفاسدين تمتد الى قوت الشعب وحليب الاطفال.
الحديث الان في الصالونات السياسية عن مستقبل الحكومة الحالية واحتمالية رحيلها في غضون اسبوعين او ثلاثة، واعتقد ان هذا الحديث ليس مفيدا وهو مكرور ولا قيمة لمجيء فلان ورحيل علان، فالاسماء جربت وانتهت الى فشل مديد، أما البرامج والخطط فهي الغائبة عنا، وبسبب غيابها تزيد معاناتنا، حتى أمسى القطاعان العام والخاص عبئا على الدولة لا نصيرا لها وداعما، فالترهل يطال القطاعين ويعتريهما فساد لا يمكن نكرانه ومستقبل الدولة يظل معلقا بارادة الاصلاح وجديته لا سيما ما يتعلق باصلاح هذين القطاعين على صعيد المضمون لا الشكل.
ثمة تغييرات مقبلة والمأمول ان ننتهي من عادة التغيير الشكلي وان نبدأ مسارا جديدا في الادارة والسياسة والتخطيط الاقتصادي قوامه انتخاب الافضل وترك التعيين خلفنا، وان كنا لم نصل بعد مرحلة الانتخاب الان، فعلى الاقل ان نجذب الى مواقع الخدمة العامة من يستطيع ان يعمل بروح الفريق، وان يكون له رصيد من الفكر والوعي يسهم في تقديم ما هو جديد ونافع لبلاده بعد ان عاثت " نخب " كثيرة بواقعنا وغادرت مربع السلطة وفي البنوك ارصدة وحسابات باصفار ستة وربما اكثر.
حياة الناس هي الاولوية، واهم ما في ربيعنا الاردني ان الشارع قال كلمته بصدق واكد غير مرة انه مل هذه الاسماء التي دمرت واقعه، ولا يأمل ذات الشارع ان تواصل تلك الاسماء تخريب مستقبل الابناء، والمعيار الاساس في تقييم اي جهاز او حكومة او قطاع او حتى شخصية هو مدى ما قدم لمصلحة الناس ولتحسين شروط العيش.