ملاحظات على دور مصر الإقليمي

ملاحظات على دور مصر الإقليمي
أخبار البلد -  



غاب منذ شهور الجدل والنقاش العام حول قضايا سياسية وفكرية. ولهذا الغياب أسباب كثيرة لا مجال لشرحها. لذلك، فإن طرح قضية الدور الإقليمي لمصر في هذه المرحلة للنقاش والحوار، يعتبر خبراً جيداً، يستحق المتابعة والتوقُّف عنده بالرصد والتأمل. فمن ناحية التوقيت، تبدو المنطقة العربية على فوهة بركان من التغيرات، تلعب فيه تركيا وإيران وإسرائيل أدواراً متعاظمة، فضلاً عن القوى الكبرى، بينما تكافح الدول العربية دفاعاً عن أمنها القومي ومصالحها، وحقها التاريخي في تشكيل ملامح الإقليم الجيوسياسية والثقافية.


هذا الصراع على الإقليم، تؤثر فيه بقوة تحولات مهمة في موازين القوى الشاملة التي تملكها الدول الكبرى، وتصور كل منها لأداورها الحالية والمستقبلية، ما يضاعف من مخاطر التحديات المحيطة بالإقليم ويطرح مسؤوليات هائلة وجديدة على الدول العربية الكبرى في المنطقة، والتي لعبت عبر التاريخ الحديث أدواراً قيادية وفي مقدمتها مصر والسعودية.

مصر، التي تشهد جدلاً ونقاشاً عاماً حول دورها الإقليمي، عانت مشكلات اقتصادية وسياسية قلّصت نسبياً من دورها في الأربعين عاماً الأخيرة، بداية من المقاطعة العربية لمصر بعد توقيع "معاهدة كامب ديفيد" في عام 1978 وصولاً إلى الآثار السلبية لانتفاضة 25 كانون الثاني (يناير) ووصول "الإخوان المسلمين" إلى الحكم وظهور تهديدات حقيقية لكيان الدولة المصرية ومؤسساتها، ترافقت مع أزمة اقتصادية طاحنة. لكن مصر السيسي (الرئيس عبد الفتاح) بدأت تستعيد عافيتها، وظهرت مؤشرات اقتصادية جيدة تبشر بمستقبل أفضل ومعدلات تنموية مشجعة، بغض النظر عن التكلُفة السياسية والاجتماعية والتي تحمَّلها المصريون بشجاعة وصبر. في هذا السياق، من الطبيعي أن يترافق مع تحسن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الداخل إعادة تفكير في السياسة الخارجية والأدوار المرتقبة لمصر ضمن الإقليم العربي الحائر والحافل بالتهديدات. وهنا يمكن إثارة عدد من الملاحظات التي قد تساعد في تلمس دور مصر، وحدود هذا الدور ضمن الحلفاء الاستراتيجيين العرب لمصر في هذه السنوات الصعبة، والذين وقفوا إلى جانبها ودعموا جهود الرئيس السيسي في استعادة قوة الدولة والجيش.
 

الملاحظة الأولى: لا يمكن القول بانتهاء أدوار مصر والتزاماتها التاريخية، لأن الدور العربي لمصر هو جزء من أمنها القومي وهويتها الوطنية ومن المستحيل تقريباً التنصل منه أو التخلي عنه، بحكم التاريخ والجغرافيا والثقافة. من هنا، فإن دور مصر والتزاماتها نحو الدول العربية وخصوصاً القضية الفلسطينية استمر خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وفي ظل الأحداث التي أعقبت 25 كانون الثاني (يناير) و30 حزيران (يونيو) والتهديدات الأمنية لكيان الدولة المجتمع. صحيح أن هناك مؤشرات عدة على تراجع هذا الدور، لكنه تراجع تحت ضغوط واعتبارات قهرية سرعان ما جرى تجاوزها أو التحايل عليها، بحيث يعود الدور المصري أو تعاد صياغته لكنه لا ينتهي أو يزول تماماً. وصحيح أيضاً أنه وقعت أزمات وتوترات بين مصر وبعض الدول العربية إبان سنوات حكم مبارك، لكنها كانت تنتهي سريعاً لتستعيد مصر دورها وعلاقتها مع الأشقاء العرب.

الملاحظة الثانية: إن الدور الإقليمي لمصر استمر عبر التاريخ ولعبت مصر أدواراً قيادية بارزة سياسية وثقافية في التاريخ الحديث، وتحديداً منذ نهضة محمد علي باشا (1805- 1840) وتواصل هذا الدور قبل ثورة تموز (يوليو) 1952 وبعدها، فمصر الملكية كانت تقدم المساعدات للدول العربية الفقيرة وقادت الدول العربية لتأسيس جامعة الدول العربية، وخاضت حرب 1948، وجاءت الناصرية لتواصل هذا الدور وتكسبه أبعاداً جديدة من خلال دعم حركات التحرر الوطني في العالم العربي ومحاربة قيام محاور وتحالفات مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، ورفع لواء القومية العربية والسعي للوحدة العربية، والشاهد أن مصر الناصرية تطّلعت لى دور قيادي في المحيط العربي، كان له ما يبرره، إذ كانت أغلب الدول العربية تعاني الاستعمار وكانت الأوضاع الاقتصادية والتعليمية في مصر متقدمة مقارنة بمعظم تلك الدول، ولم يكن العرب عرفوا أبعاد ما لديهم من ثروة نفطية هائلة مكنت دول الخليج من تحقيق معدل مرتفع من التنمية والرفاهية بحلول ثمانينات القرن الماضي.

الملاحظة الثالثة: في ضوء الملاحظة السابقة، لا بد من الاعتراف بحدوث تبدلات في موازين القوى والأدوار بين الدول العربية، إذ نهضت دول الخليج العربي، بينما تراجع الدور المصري والسوري والجزائري، لأسباب اقتصادية وسياسية، ثم تلاشى الدور الليبي والسوري تقريباً، ونهضت السعودية والإمارات لسد الفراغ في المحيط العربي. وعوضاً عما كان يعرف بـ "المثلث الذهبي" والذي يضم مصر وسورية والسعودية في السبعينات والثمانينات تبلور مثلث جديد من السعودية ومصر والإمارات، لمواجهة تهديدات الإرهاب وإيران والأطماع التركية في المنطقة. ويمكن القول إن هذه التبدلات تعكس تحولات في القوة الاقتصادية والمكانة، كما تعكس ضرورات فرضتها ضغوط وتهديدات دول الجوار ( تركيا- إيران – إثيوبيا – إسرائيل) والتحديات والأطماع الدولية.

الملاحظة الرابعة: إن الجدل والنقاش الدائر على استحياء في مصر، يدور بين تيارين من المثقفين من خلفيات سياسية وإيديولوجية مختلفة، الأول يرى أولوية التركيز على التنمية في الداخل المصري، وبناء مقومات القوة الشاملة، وتقليص الدور الإقليمي إلى الحد الأدنى والذي لا يخل بالأمن القومي والمسؤوليات التاريخية لمصر تجاه الدول العربية. ويرى أنصار هذا التيار أنه لا يمكن لعب دور إقليمي فعال من دون تطوير الأوضاع الاقتصادية، خصوصاً وأن كل دور خارجي له تكلفة وأعباء مادية. في المقابل هناك تيار ثانٍ يؤكد على حتمية الجمع بين التنمية في الداخل ولعب دور فاعل في الإقليم، لأن مصر لا تمتلك رفاهية الاختيار، إذ لا تنمية من دون سياسة خارجية نشطة، ولا تنمية أيضاً من دون استمرارية وتواصل الأدوار العربية والإفريقية والدولية لمصر. وبغض النظر عن حجج الفريقين، فإن الحقائق على الأرض تؤكد أن الدور الإقليمي لمصر يتجاوز حالة الجدل والنقاش بين قطاع من المثقفين، لأن دور مصر باقٍ ومستمر، وإن تعرض لتحولات فرضتها ظهور مراكز جديدة للقوة العربية، أعتقد أنها تدعم قوة مصر ودورها حال استمرارية التعاون والثقة التبادلة بين السعودية والإمارات ومصر للحفاظ على الأمن القومي العربي ووحده وتماسك الدول العربية، والحيلولة دون دخولها في أتون الحروب الأهلية أو التقسيمات العرقية.

الملاحظة الخامسة والأخيرة هي أن تقليص الدور الإقليمي لمصر، أو "كمون مصر" كما يرى البعض، يتعارض والمصلحة الوطنية المصرية كما يتعارض مع الخطاب الرسمي، إذ أكد الرئيس السيسي أن "أمن مصر جزء لا ينفصل عن الأمن القومي العربي، وأن مصر عليها التزام قومي وتاريخي بحماية الأمن القومي العربي، باعتباره مصلحة وطنية في المقام الأول وقومية في المقام الثاني". وأكد السيسي أن مصر دولة محورية وقاعدة في النظام الإقليمي العربي، لكن دورها لا بد وأن يتسق مع القدرات والإمكانات المتاحة، ويلتزم بمبادئ السياسة المصرية وثوابتها. ما يعني ضمنياً تجنب مصر أي أخطاء أو مغامرات غير محسوبة أو تكلفة غير رشيدة لتبعات أدوارها في الإقليم أو في سياستها الخارجية. القصد أن هناك تحديداً عقلانياً ومتوازن لأبعاد دور مصر الإقليمي يستفيد من دروس الماضي، وتجارب وطموحات مصر الناصرية، ويتجنب في الوقت نفسه مغامرات السادات ومبارك في الانكفاء إلى الداخل والتقليل من شأن الدائرة العربية والرهان غير المبرر على تحالفات خارجية زائلة.

* كاتب مصري
 
شريط الأخبار الأمن السيبراني: 27% من حوادث الربع الثاني من 2024 "خطيرة" "مجموعة المطار": توترات غزة ولبنان خفضت عدد المسافرين 5.4% منذ بداية 2024 نائب الملك يزور القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية الخبير زوانة يتحدث عن اثر الضريبة الجديدة على السيارات الكهربائية على البنوك ومجلس النواب والحكومة الجديدة الأسد يصدر مرسوما بتسمية فيصل المقداد نائبا له بكم بيع رقم 4444-44.. ؟ الأمن العام: القبض على خلية جرمية من 6 أشخاص امتهنت الاحتيال المالي الإلكتروني احذروا.. شركات مشروبات غازية مقاطَعة تتسلل الى الأسواق بعلامات تجارية جديدة ناديا الروابدة.. المرأة الحديدية التي صنعت التحولات الكبرى في وزارة العمل العماوي: شكلنا لجنة لتقييم نتائج الانتخابات ومعالجة السلبيات لتجاوزها في الانتخابات اللامركزية والبلديات وزير التربية:الهجوم على دروس الأغاني والمطربين "مسيّسة" إنهاء خدمات موظفين في الصحة .. أسماء وزيرة النقل تلتقي ممثلين عن العاملين بالسفريات الخارجية وتستمع لمطالبهم 48 محامياً يؤدون اليمين القانونية أمام وزير العدل "دعيبس" يعري وزارة الثقافة بدموع سكبها بغزارة في دار المسنين نقيب المعاصر يُطلق صافرة بدء موسم الزيتون: جاهزية كاملة وأسعار ثابتة رغم التضخم وزير الطاقة: الأردن يمتلك قطاع طاقة متميز نتنياهو يأمر ببناء حاجز على الحدود مع الأردن الرياطي والنمور لرئيس سلطة العقبة: أوقفوا الدعايات الخادشة للحياء وحاسبوا من عرضها !! وثيقة الملخص اليومي لحركة تداول الاسهم في بورصة عمان لجلسة اليوم الاثنين .. تفاصيل