ستبقى مصر وما يحدث فيها بوصلة الربيع العربي الجديد؛ فبعد تظاهرات ميدان التحرير الجمعة الماضية، والتي طالب فيها ألوف المصريين المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة للمدنيين بعد نحو سبعة أشهر من إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك، ولم تشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين، ما دفع المتظاهرين إلى ترديد هتافات ضدها تقول "إوزن إوزن بالميزان راهن دايما عالكسبان هي دي سياسة الإخوان"، استمتع العرب بمشاهد اقتحام السفارة الإسرائيلية وبعثرة أوراقها ووثائقها في سماء القاهرة، في مشهد أعاد للثورة المصرية روحها القومية، وجاء ردا على كل المشككين في أجندة الثورات العربية، ومدى تدخل اليد الأميركية في رسم ملامحها.
القضية الأساس فيما يحدث بمصر تتلخص بوضوح في العنوان التالي "الإخوان والمجلس العسكري المصري... إلى أين؟". يأتي هذا السؤال بعد أن ردّدت أوساط مصرية حديثا عن خلافات داخل صفوف الجماعة، وبالتحديد المهندس خيرت الشاطر وعدد من أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة حول سبل التعامل مع المجلس العسكري، وذلك بعد أجواء توتر شابت العلاقة على خلفية تصريحات أدلى بها البعض ضد المجلس العسكري، موضحة أن الشاطر يفضل عدم التصعيد، خصوصا خلال المرحلة الانتقالية.
ويرى الشاطر أن على الإخوان لعب دور "الإسفنجة" لامتصاص أي توتر، والظهور بمظهر الطرف الحكيم في اللعبة السياسية الانتقالية، إلى حين تسليم البلاد لسلطة منتخبة، حيث يرى أن الصدام مع المجلس لن يكون في صالح الإخوان، نظرا لشعبية المجلس في الشارع المصري.
في حين يرى الطرف الآخر أن من مصلحة الإخوان عدم السكوت عن أخطاء المجلس، حيث بدأ هذا الجناح يكتسب الشعبية الأكبر، لكن مهما بلغت حدة الخلاف داخل الإخوان فمن المتوقع أن يحافظ الإخوان على شعرة معاوية، على الأقل، مع المجلس العسكري.
المتابع الجيد لحركة الإخوان المسلمين في مصر يلحظ ذلك بوضوح، وبحسب بيانات الإخوان فقد طالب حزب "الحرية والعدالة" التابع لجماعة الإخوان المسلمين في 17 آب (أغسطس) الماضي بالحفاظ على العلاقة بين الجيش والشعب، واحترام القوات المسلحة، والحفاظ على دورها ومكانتها، وأن يظل النقد والاختلاف في الرأي في إطار الحوار الهادف،
الطرفان اللذان اختطفا الثورة المصرية من بين أيدي صناعها الشباب هما المجلس العسكري والإخوان المسلمون. فمنذ اللحظة الأولى لسقوط مبارك يسعى الطرف الأول إلى احتضان الطرف الثاني، حيث تم الإفراج عن جميع المعتقلين من الإسلاميين إخوانا أو سلفيين أو جماعة إسلامية سواء أكانوا رموزا كبارا أو عاديين، وشهدت التظاهرات المليونية بعد الثورة على اختلافها صمتا إخوانيا سلفيا عن التعرض للمجلس العسكري ورئيسه المشير محمد حسين طنطاوي.
والمؤشر الأقوى الذي أكد تحالفا بين المجلس العسكري والإخوان تمثل في الاستفتاء على الإعلان الدستوري للمجلس الذي رفضته كافة القوى الليبرالية على اختلاف توجهاتها، والتي كانت تطالب بـ "الدستور أولا"، وحسمته قوة الإخوان والسلفيين وتحالفهما مع القوى الإسلامية الأخرى. كما علينا أن نلاحظ حرص الإخوان على مدار الشهرين الماضيين على عدم المشاركة في أي تظاهرة أو مطالب تناهض المشير ومجلسه العسكري أو تنتقد أداءه، بل حولوا له مليونية 29 يوليو "لمّ الشمل" لتصبح مليونية تطبيق الشريعة ومناصرة العسكري.
هل التفت أحد إلى أن الإخوان المسلمين وغيرهم من القوى الإسلامية لم تتحرك بشأن استشهاد الجنود السبعة على يد القوات الإسرائيلية داخل الأراضي المصرية إلا بعد أن استشعرت غضبة الشارع المصري، وخروج شباب الثورة لحصار السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، بل إنهم رفضوا الخروج في مليونية طرد السفير الجمعة 26 آب بحجة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.
كل الشواهد والأدلة تؤكد وجود صفقة سياسية بين الإخوان والمجلس العسكري، وهو أن تستحوذ الجماعة على أكثرية في مجلس الشعب والمجالس المحلية مقابل تأييد الجماعة للمرشح الذي سوف يؤيده المجلس العسكري، بحيث يتكرر سيناريو السادات والإخوان المسلمين عندما استعان بهم لتحجيم نشاط الشيوعيين ثم انقلب عليهم.