قبل أيام من حسم موعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وفي لقاء جمع رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي بعدد من رؤساء التحرير والكتاب الصحفيين، أكّدت في مداخلتي على أهمية اغتنام الفرصة وعدم إهدارها.
قلت حينها إن الفرصة - رغم تلكؤ الحكومة - ما تزال متاحة للاستدراك وتجاوز الأزمة، والتقدم نحو المستقبل بخطى واثقة، وبشراكة من الجميع في تحمّل المسؤوليات ومواجهة تحديات المرحلة.. فالجميع في مركب واحد، ينجو ويتقدم بهم جميعا، أو تكون العاقبة سلبية للجميع، ولن يكون ثمة رابح وخاسر.
تلك النصيحة لم يستمع إليها وذهبت أدراج الرياح، فقد كانت المكابرة سيد الموقف، وذهب الجميع إلى مشهد سياسي كان يمكن أن يكون مختلفا لو قدّر أصحاب القرار الموقف بحكمة وبعد نظر، بعيدا عن النزق والتعجّل والاستماع لنصائح المغرضين.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فاللحظة تلك تتكرر هذه الأيام، والخشية أن يتم إهدار الفرصة مجددا، وأن نذهب مرة أخرى إلى مشهد لا يحمل الكثير من الأمل بالمستقبل.
حديث الإسلاميين عن الشراكة الوطنية والشراكة الاستراتيجية ينبغي أن لا يثير الحفيظة والمخاوف، فهم قد تحدثوا بوضوح عن شراكة بين كل مكونات المجتمع في عملية البناء وتحمل الأعباء والمسؤوليات، لا عن هيمنة ومحاصصة في المغانم والمكاسب.
قبل ربيع الثورات العربية وأثناءها، تحدث الإسلاميون عن مصالح عليا للوطن، وعن فرص متاحة وأخطار وتحديات رئيسة تواجهه، وأكدوا على ضرورة التوافق على استراتيجية وطنية شاملة لأردن قوي منيع عصري ومزدهر، وتحدثوا أكثر من مرة عن أنهم يجنّدون أنفسهم لخدمة بلدهم ولمواجهة التحديات والأخطار وكل مصادر التهديد، وأعلنوا مواقف قوية ضد مؤامرات التمزيق والتفتيت والوطن البديل.
بقناعة الإسلاميين ومعظم القوى السياسية والقطاعات الشعبية .. فإن الإصلاح الحقيقي لا الشكلي، والتقدم نحو دولة ديمقراطية عصرية، مصلحة أكيدة للأردن، تعينه على التقدم بثقة نحو مستقبل واعد مزدهر، وهو لا يشكل تهديدا لأحد، وليس مصلحة لطرف على حساب آخر، والحكم أول المستفيدين من الإصلاح الحقيقي ومن البناء الديمقراطي السليم، حيث يتيح له تجديد حيويته، وتمتين بنائه على أسس راسخة لا رخوة أو هشّة.
لكن ثمة مغرضون ومتضررون، يوغرون صدور أصحاب القرار ضد دعاة الإصلاح، ويصوّرونهم كمتآمرين لا يريدون خيرا بالبلاد والعباد، وكانقلابيين يسعون لإثارة القلاقل وضرب حالة الاستقرار تحقيقا لمآرب سياسية.
الاستجابة لتحريض هؤلاء تفضي إلى تأزيم الأمور، وتوتير العلاقات، وإهدار الفرص مجددا، والذهاب إلى أجواء انسداد سياسي ومستقبل مجهول يكون الأردن فيه أول الخاسرين.. ما يدعو للحذر والتروي وتغليب لغة العقل والحكمة، فما زال في الوقت متسع لتجنب تكرار الأخطاء وإهدار الفرص.