لا يجادل الأردنيون بأن التعديلات الدستورية التي قدمتها اللجنة الملكية خطوة للأمام بالاتجاه الصحيح، وبالتأكيد ستدفع المشهد السياسي خطوات نحو تجذير اللعبة الديمقراطية. وما يراه الحراك الشعبي والنشطاء السياسيون والحقوقيون أن تعديل الدستور فرصة تاريخية لا يمكن أن تتكرر كل عام. المفاصل في التعديلات الدستورية ليست كثيرة، والفرصة لم تمض بعد. وأمام البرلمان اختبار حقيقي ليثبت جديته في دعم مسيرة الإصلاح والديمقراطية. النقطة الأولى التي من الضروري تحصينها في الدستور هي حماية الشعب من إقرار تشريعات تتعارض مع حرية التعبير والإعلام والحريات الشخصية.
وفي هذا المجال فإن أفضل نص يمكن الاقتداء به هو التعديل الأول على الدستور الأميركي الذي يقول "لا يصدر الكونغرس أي تشريع يحد من حرية التعبير أو الصحافة أو من حق الناس في الاجتماع سلميا". وهذا النص يقطع الطريق على الحكومة والبرلمان في إقرار تشريعات تخالف الحقوق الأساسية، وهو أكثر قوة وجدوى من وضع مادة تمنع إقرار تشريعات تتعارض مع الدستور. فتاريخنا حافل بتجاوزات السلطتين التنفيذية والتشريعية على الحقوق الأساسية. وأبعد من حرية الإعلام والتعبير، فان المنظمات الحقوقية في الأردن تطالب بإضافة نص يمنع سحب الجنسية أو نزعها من الأردنيين، حتى لا ينام الإنسان ويصحو فيجد أنه قد جرد من جنسيته. ويعتقدون أن من الضروري وقف التمييز الجندري من خلال القول "الأردنيون ذكورا وإناثا متساوون في الحقوق والواجبات ولا يميز بينهم في القانون وأمام القانون وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس". كان يفترض وضع نص لا لبس فيه يشير إلى أن المعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن لها صفة السمو على القوانين الوطنية، وبأنه لا يجوز إقرار قوانين تتعارض مع الدستور ومع هذه المواثيق أيضا.
صحيح أن القضاء ذهب بشكل محدود إلى اعتبار أن هذه المعاهدات تسمو على القانون الوطني، ولكن الأصل هو أن نقر تشريعات تتواءم مع هذه المعاهدات. وهذا عدا عن أهميته حقوقيا، فإنه يحسن من صورة الأردن على الخريطة الدولية. إن استناد التعديلات الدستورية إلى منطلقات حقوقية يدفع منظمات المجتمع المدني للمطالبة بإضافة كلمة انتهاك إلى الفقرة (2) من المادة السابعة، وكذلك الإشارة إلى أن الانتهاكات والاعتداءات على الحريات العامة لا تسقط الدعاوى عنها بالتقادم. وفي ذات السياق.
لابد من النص على حظر التعذيب بأي شكل من الأشكال في الفقرة (2) من المادة (8)، وأن ينص صراحة على أن "للأردنيين حق الاجتماع السلمي والتجمع السلمي" على إطلاقها، وأن تلغى عبارة ضمن حدود القانون. وفي الجدل حول المحكمة الدستورية، فإننا نجد أن من الضروري إعطاء الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني الحق في الطعن بالدستورية، فلا يعقل أن يحصر الأمر بالحكومة والبرلمان وكلاهما من يشرع، إضافة إلى إعطاء الحق لكل مواطن بالطعن بالدستورية من خلال المحاكم مباشرة، وهي تحيلها إذا وجدت أسبابا موجبة إلى المحكمة الدستورية بدون اشتراط عرضها على رئيس محكمة الاستئناف.إن استقلال القضاء ركن أساس في الدستور ولابد من تحصينه، والتعديلات التي قدمت جيدة والمطلوب هو إلغاء القضاء الاستثنائي، أي إلغاء محكمة أمن الدولة سواء لقضايا الإرهاب أو التجسس أو الخيانة العظمى. مجلس الأمة يواجه تحديا بعد أن تلقى التعديلات الدستورية. ونجاح النموذج الأردني بالإصلاح يحتاج إلى جرأة وإرادة جادة واستجابة لنبض الشارع، ووقف التغول الحكومي الذي ساد لعقود وعقود.
التعديلات الدستورية: وجهة نظر حقوقية
أخبار البلد -