رفع أعضاء لجنة تعديل الدستور تقريرهم إلى الملك يوم الأحد الماضي بحضور هيئة الوزارة، وأعضاء مجلس الأمة، وأعضاء لجان الإصلاح السياسي، والتعديل الدستوري.
وهكذا ارتفعت أعمال اللجنة الملكية إلى مستوى الاهتمام الوطني والعربي والدولي.
وقد جاءت التعديلات واسعة، ومزيلة لكثير من التعديلات الإضافية التي أدخلت على دستور المملكة الصادر عام (1952)، ومضيفة لبنود جديدة إيجابية.
ولم تشمل التعديلات الجديدة مواد كثيرة تتعلق بالبعد الاقتصادي. وبقيت قضية ربط الاقتصاد بخلق الوظائف هي القضية المركزية في محور الإدارة الاقتصادية للدولة الأردنية.
وقد كنت أتمنى لو أدخلت جملة "فرص عمل منتجة"، حتى نتخلص من مظاهر البطالة المقنعة، ونعطي الاستثمار الفعلي الخالق لفرص العمل التي تضيف لثروة الوطن ودخله، مع اعتقادي أن كلمة "منتجة" قد تفتح باب التأويل.
ولكن الإضافات التي أدخلت على المادة (15) وبخاصة الفقرة الثانية مهمة جداً. فهذه الفقرة تنص على أن تكفل الدولة للمواطن حرية البحث العلمي، كما تكفل حرية الإبداع الأدبي والثقافي لما لا يخالف النظام العام والآداب العامة.
ومع أن المبدأ العام هو ضمان الحرية، إلا أن إضافة شرطي عدم مخالفة النظام العام والآداب العام، وكلاهما مصطلحان مطاطان سوف يخلق إشكاليات كبيرة، ويعطي السلطة القضائية مراحاً رحباً للتأويل الشخصي.
وسوف تكون هذه المادة إشكالية، بكل معنى الكلمة. ولو حذفنا الجملة التي تبدأ "بما لا يخالف... الخ" فهل هذا يعني أن الادعاء ضد من يخدش الأدب العام ويهدد النظام العام لن يكون ممكناً، لا أعتقد ذلك!. ومثالنا ما نراه في كثير من الدول التي سبقتنا في هذا المضمار.
فالمادة قصد منها فتح باب الحرية الإبداعية، وإطلاق الطاقات الخلاقة. ووجود نص مطلق بدون هذه التكييفات والمحاذير لا يجعل الحرية مطلقة. ولكن وجودها سوف يفتح الباب على مصراعيه لمعارضة كل فكر وبحث جديد مثير بدعم من النص الدستوري. وكنت أتمنى عدم وجود هذه الإضافة لأنها مع الوقت قد تصبح الأساس، ويصبح إطلاق الإبداع والحرية الفكرية والثقافية هي الأمر الثانوي.
ولوحظ في نصوص الدستور إدخال مصطلحات جديدة على طبيعة النشرات ووسائل الاتصال، فتوسع النص ليشمل منها ما هو قديم ومستجد، وما قد يطرأ في المستقبل. وهذا أمر مهم لشعب يتميز في منطقته بالتكيف والتطوير التكنولوجي (انظر تعديلات المادتين 15 و 16).
وأما النقطة الأخيرة فهي صيانة الحريات الأساسية، وعدم إدخال تعديلات قانونية تمس تلك الحريات. إن هذه الديمقراطية والصيانة لحقوق الإنسان وحريته هي التي ستصب فوراً في خانة الاقتصاد المبتكر والمنطلق، والقادر على استيعاب التغيير وأحداثه.
لا شك أن هذه الملاحظات الأولية تحتاج إلى مزيد من التحليل والتعمق في المستقبل. ولكنها كما يقولون "غلوة أولى". وأنا واثق أن الكثيرين سيبدأون البحث في هذا الأمر وغيره.
التعديلات الدستورية إضافة نوعية. وسوف تحدث نقلة كبيرة في الحياة الأردنية بجوانبها المختلفة، وها نحن نرى التاريخ بأم أعيننا يتحرك أمامنا. وقريباً ستشهد الساحة الأردنية تغييرات إيجابية ديناميكية ستجعل هذه اللحظات التي نعيشها تبدو جزءاً من صورة ساكنة.
الاقتصاد والدستور المعدل
أخبار البلد -