يتناول الناس مفهومي الاقتصاد والسياسة من ثلاثة محاور؛ الأول هو الربط المعروف، حيث يقال ببساطة إن الاقتصاد والسياسة مترابطان وكلاهما وجهان لِعملة "الإصلاح".
أما المفهوم الثاني، والأكثر ديناميكة، فهو الربط في المفهوم الديمقراطي بين الاقتصاد والسياسة، حين يقال مثلاً أنْ لا ضرائب بدون تمثيل وأن دافعي الضرائب من المواطنين هم أصحاب الحق في المشاركة بصنع القرار الذي يمس حياتهم.
والمفهوم الثالث هو المفهوم القائم على نظرية المؤامرة؛ حيث ينظر الى التنافر بين السياسة والاقتصاد، فيقال مثلاً إن الأردن دولة تعاني من اختلالات في ميزانها التجاري، أو في موازنة الحكومة ما يعرض المملكة للضغوط الخارجية، ويجعلها تقبل بشروط سياسية دون ما يريده الناس. فيكون ثمن الدعم للاقتصاد هو بعض التنازل عن اهداف سياسية إصلاحية، أو القبول بشروط خارجية قد تتناقض مع أولويات الشعب الأردني.
ومن المنطلق الثالث نسمع مثلاً أن الولايات المتحدة تنظر الى أمن الأردن واستقراره كضمان لأمن اسرائيل واستقرارها، خاصة هذه الأيام التي بدأ ينطلق فيها "الربيع العربي" على شكل انفجارات تثور في بلد ما، ثم لا تلبث أن تفور فوق الحدود الى بلد آخر مجاور.
ويقول بعض المحللين الأميركيين، ومنهم من يضغط لصالح اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، إن إسرائيل باتت تخشى من تطورين. الأول هو قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود العام (1967)، وهو ما أعلنت الحكومة الإسرائيلية الحالية رفضها له. وإذا حصل مثل هذا الإعتراف، فإن الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة قد يلجأ الى المقاومة السلمية كما هو حاصل في الأقطار العربية، أو العودة الى الانتفاضة التي حركت مفاوضات السلام العام (1991).
ومن ناحية أخرى، فإن بعض الدوائر الأميركية تزعم أن هنالك احتمالا بانتقال عدوى الثورات العربية الى الأردن، ما يتطلب إجراءات وقائية واستباقية للحيلولة دون اشتعال فتيل الحركة الشعبية في الأردن، ويشكل خطراً على الأمن الاسرائيلي.
ولذلك، فإن الحل المطلوب من زاوية نظر هذه الجهات الأميركية هو التأكد من أن الثورة في سورية لا تفضي الى نظام مُعادٍ لإسرائيل، ولا يكون لمثل هذا التطور إن حدث على الأمن الإسرائيلي، بانتفاضة شعبية في كل من الأردن وفلسطين.
أما في الواقع فإن ما يقلق دوائر الأمن الأميركية هو أن تحاط إسرائيل بدول ومناطق تشهد تطورات تؤمن بالضغط على إسرائيل من الخارج وتحرك الشعب الفلسطيني عليها من الداخل، وهكذا تتوحد سورية والأردن وجنوب لبنان وغزة ومصر والضفة الغربية ضد إسرائيل.
وإذا تزامن هذا مع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينة على حدود (1967)، فإن حياة إسرائيل ستصبح غير محتملة، خاصة إذا تذكرنا أن تركيا وإيران يفوقانها عسكرياً ولو تفوقت عليهما تكنولوجياً، وأنهما قد انتقلا من خانة النصير لإسرائيل الى خانة المعادي والمنافس.
إن التحليل المنطقي الذي قد يفكر به أنصار إسرائيل هو تحويل الضغط المرتقب على إسرائيل الى خارجها.
ولذلك، فإن الأردن يجب أن يسير نحو الإصلاح، ولكن بخطى مدروسة، وبدون التفريط من قريب أو بعيد بأمنه أو بوحدة شعبه، أو بسلامته الاقتصادية، وعليه أن يوازن بين حماسة المتحمسين للإصلاح بدون رؤية واضحة وبين دواعي الأمن والاستقرار.
ولذلك، فإن نصرة اهلنا لنا في الخليج تحقق فوائد أمنية لنا، كما تحقق لهم.
ويجب أن نعلم أن أي مخططات للاستفادة من هشاشة الاقتصاد الأردني في الوقت الحاضر يجب أن تحاصر بالإصلاح وبدعم الأشقاء، وتبني السياسات الصحيحة داخلياً، والمطبوخة على نار هادئة.