اذا كانت ايران قد تشيعت على يدي اسماعيل الصفوي التركي وليس الفارسي في بداية القرن السادس عشر بعد قرون طوال من تبادل العائلات (السنية) التركية والفارسية والعربية السيطرة عليها والمساهمة في انقاذ الخلافة نفسها من البويهيين في بغداد وفي تحرير القدس في المرة الثانية, فان تركيا لم تكن ابدا دولة سنية بالمعنى المتعارف عليه وكما كرسته القيادة الكردية الايوبية بعد تصفية الفاطميين.
فالاسلام التركي خليط من مذاهب اسلامية شتى تتمركز حول طرق صوفيه خاصة بشعوب البلقان وثقافتها وكانت ظلالها وامتدادتها قوية في افريقيا العربية.. ولو ان ابن تيميه عاش الصعود التركي الطوراني لقال فيه ما قاله حول اسلام المغول واظهر نزعة عروبية اكثر من عفلق والارسوزي.
وليس بلا معنى سر هذا التعايش بين اسلام الجماعة الحالية في تركيا وبين التراث القومي الطوراني والثقافة البلقانية وبين العلمانية الماسونية الاتاتوركية.
وليس بلا معنى, ثانيا, ان هذا الاسلام التركي تشكل في رحم القوى التركية المنسوبة الى التراث المذكور فترة بايارو مندريس ثم اوزال. ومن الصعب رد الاسلام المذكور الى اسباب وجذور ايديولوجية دينية وحدها, اضافة لذلك فان هذه الطفرة تحتاج الى مقاربات اخرى, على العرب المتحمسين لها ان يتمعنوا فيها جيدا ويشتقوا الاساليب الملائمة للتعاطي معها:
1- لقد بنت البرجوازية التركية كل مشروعها ونهضتها بحيث تكون جزءا من النظام الرأسمالي العالمي خاصة الاتحاد الاوروبي, وكانت العلمانية هي عنوان هذا المشروع ورسالة انقرة ورشوتها لهذا الاتحاد.
وقد ابتدأت تركيا البرجوازية هذه الرسالة بنقل مركزها الى انقرة من اسطنبول بما كانت ترمز له من ثقافة اسلامية وتحديات للثقافة الاوروبية وذاكرتها حول القسطنطينية (اسطنبول لاحقا).
2- منذ اكتشاف الرأسماليين الاتراك اكاذيب الديمقراطية والحضارة الاوروبية وانهم مهما بذلوا من جهود من اجل الاوربة, فان ابواب الاتحاد الاوروبي مغلقة مامهم, فراحوا يبحثون عن اسواق بديلة في الشرق, وراحوا يغيرون العلمانية بثوب اسلامي جديد لهذه الغاية. وقد ساعدهم على ذلك عاملان:
من جهة بدايات التنافس الرأسمالي الامريكي - الاوروبي واستعداد الامريكان للضغط على عسكر تركيا وحصرهم في الثكنات مؤقتا..
ومن جهة ثانية, الانقسام داخل البرجوازية التركية نفسها بين براجوازية المدن الكبرى العلمانية وبرجوازية الاناضول - الاسلامية..
3- ذلك ايضا ما يساعد الاسلاميين على توسيع حصتهم في الحياة السياسية على مرحلتين الاولى من خلال احزاب اليمين نفسها, ثم من خلال احزاب مستقلة خاصة.0