تبني الحكومة لنهج توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية خلال الفترة الاخيرة كان لا بد منه, بعد ان فعل اقتصاد السوق الذي تم اعتماده عبر السنوات الماضية, افاعيله في زعزعة الاستقرار الاجتماعي على نحو لا يخفى على احد, مما جعل من معظم المواطنين نهبا لما يسمى الحرية الاقتصادية التي تغولت الى درجة لم تكن معهودة من قبل, دون اتباع الاساليب الفاعلة في وقاية من لا يجدون ملاذا يحتمون فيه, حين يتعسف بهم من لا يرحمونهم ويتحكمون في قوت عيشهم والخدمات الضرورية لحياتهم.!
نظرية الاقتصاد المجتمعي تظل هي الصيغة الاقرب الى تحقيق التوازن بين الاطراف المختلفة, لانها يفترض ان تنظر بانصاف الى ارساء معادلة تقوم على مبدأ العدالة الذي يأخذ في الاعتبار مصالح الجميع, دون شد وجذب يدفع ثمنه المجتمع باسره حين تتوالى ازمات الفقر والبطالة والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية على اختلاف انواعها, بلا حلول جديدة قادرة على احتواء ما قد تخبئه تحت سطحها من مفاجآت اخذت تتواصل بوضوح عبر شعارات التظاهرات والمسيرات والاعتصامات.!
من هذا المنطلق نتابع الدور المهم الذي تقوم به المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في تعزيز وتأصيل الحماية الاجتماعية, عن طريق مبادرات ومشاريع ريادية لها اثرها الكبير على التخفيف من منابع الهموم التي تؤرق قطاعات عريضة من ابناء المجتمع الاردني, ومنها توسيع قاعدة الشمول بمظلة الضمان التي قفزت بالمشتركين من 880 الفا مع نهاية العام الماضي الى حوالي 940 الفا خلال النصف الاول من العام الحالي, وادت الى تضاعف المنشآت الفعالة لتصبح خمسين الفا عوضا عن 28 الفا, حيث باتت تغطي بخدماتها 58% من مجموع المشتغلين, مما جعل الدخل التقاعدي يساعد على تخفيض معدلات الفقر بنسبة 6% حتى الان.!
اذا ما اضفنا الى ذلك شمول فئات جديدة من بينها ربات المنازل لاول مرة, وتطبيق حزمة اصلاحات تأمينية اساسية بموجب القانون الجديد للضمان الاجتماعي, منها ربط الرواتب بالتضخم وتطبيق تأميني الامومة والتعطل عن العمل خلال شهر ايلول القادم, مع العمل على اخراج التأمين الصحي الى حيز الوجود بعد انتظار طال امده, فان هذه المؤسسة البالغة الاهمية تضع اقدامها على انطلاقة واعدة نحو المستقبل في تعميق مسؤوليتها الاقتصادية والاجتماعية بعد ثلاثين عاما من انشائها, مما يصب بالتالي في تعميق الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنوي اعتماده خلال المرحلة المقبلة.!
يظل التحدي الاكبر هو حماية المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ذاتها من تدخلات السلطة التنفيذية التي عانت منها طويلا في الماضي, وادخلتها في اتون مضاربات وقرارات مرتجلة واجبرتها على الدخول في صفقات ليست في صالحها, وكان لها اثرها السلبي على مدخراتها من مخزون الاجيال التي زادت على اربعة مليارات دينار حاليا, خاصة انها بدأت في التحضير لامكانية اطلاق مبادرة دولية تحت عنوان "ارضية الحماية الاجتماعية", بالمشاركة مع منظمة العمل الدولية ومنظمات الامم المتحدة المعنية مثل "اليونسيف" والصحة العالمية من اجل ادخال الاردن في نطاقها العالمي.!0