التاريخ : 24-07-
والشعوب العربية اليوم تتوقف عند كل مفردة وعند كل عنوان أو شعار, وتناقش الامر لغوياً وواقعياً وعملياً، فعندما تتكرر عندنا وفي العواصم العربية الدعوة للحوار الوطني من خلال لجنة أو ندوة فان الناس تتساءل اذا كان هذا الحوار بأبعاده وأعماقه وآفاقه بما هو مقدر له أن يرسم مصيرا وطنيا هل يمكن ان ينحصر ويخنق في اطار لجنة بينما هو لا يحتمل الا ان يكون حالة شعبية جماعية بين كل مكونات المجتمع.
فالحوار الوطني الذي تم الاعلان عن مخرجاته البائسة عندنا لم يكن حواراً بين قوى واطراف تمثل فعاليات المجتمع في هذه اللحظة الصعبة الحرجة والفارقة، ويقولون انه وطني وبذلك يفترض ان يكون في سبيل الوطن وصالحه وليس لبحث عن مخرج لتسويق نفس الشراب في زجاجات جديدة!!
ما هو مهم هو ان البدء في الاصلاح كمعنى للبناء على انقاض الخراب وتكون الانطلاقة بأن نكشف عن هذا الخراب وان نزيل انقاضه، وما هو اهم ان لا اصلاح قبل ان نحد من سطوة الفساد كمنظومة مؤثرة كما أشرنا...
وبالتأكيد فان الحكومة سترد علينا كما ردت كل الحكومات من قبلها بمطالبتنا أن نقوم نحن بالكشف عن هذا الفساد واثبات وقائعه بأدلة وبراهين قاطعة، ويختبئون وراء ادعاء ان الفساد لا يمكن اثبات اية قضية من قضاياه الا عبر القضاء وبالبيانات والحجج التي لا تقبل أقل من امساك المنتفع بالجرم المشهود.
والمطلوب في رأيهم هو ان يفر السارق بسرقته والجاني بجريمته ومن قبض العمولة بعمولته ومن دفعها كذلك!!... الخ..
قبل أعوام كتب زميلنا الاستاذ غسان تويني صاحب "النهار" اللبنانية حول موضوع الفساد قائلا انهم يطالبون الصحافة والغيورين على لبنان ان يثبتوا الفساد والذي يزكم الانوف أمام القضاء، وهو أمر يرى الاستاذ غسان أنه مستحيل في ظل ترك الابواب مشرعة بلا حراس والثغرات واسعة والقوانين عموميات ولا تحدد مسار الاجراءات الصحيحة..
الاستاذ غسان يقول: هل يحتاج شخص يدخل الحكومة وهو يعيش على الكفاف ثم خلال أشهر أو سنوات يصبح ثرياً، ويطالب الاستاذ غسان بأن نتطلع الى القصور والسيارات والى ارقام الحسابات في البنوك ومظاهر الثراء الفاحش، لنعرف ان هذا الفساد الصارخ هو الذي يثبت نفسه.
قبل أيام كان يزور عمان صديق صحفي عربي عتيق يعيش في المهجر، وقد طلب مني ان أجول به في ضواحي عمان التي لم انقطع عنها 30 عاما.. ذهبت واياه بالسيارة الى مناطق عمان الشرقية وجلنا في انحائها، وطبيعي ان يكون انطباعه ان هذا الجزء من عمان كما هو تقريبا الا من زيادة في الاكتظاظ، وعندما جلت به في عمان الغربية من اطراف عبدون وأم اذينة والصويفية ودير غبار وصولا الى دابوق وامتدادها باتجاه الغرب على مشارف الفحيص وماحص، ذهل الرجل من قصور لا توجد في "بفرلي هيلز"، وقال لي بعد ان ذكرت له أسماء بعض اصحاب هذه البيوت لعل المال السهل هو وراء هذا السفه والاسراف في المظاهر والمال السهل دائما هو غالبا ما يكون مالا حراما!!
صمت الرجل وغرق في التفكير وأنا اكمل جولتي معه وسط الزحام في قاع المدينة، وعند سفح جبل عمان قبل طلعة الحايك اوقفت السيارة وأشرت له الى حيث قلت له ان هذا البيت المتواضع جدا كان بيت توفيق ابوالهدى وبعده كان بيت اكثر تواضعاً هو بيت ابراهيم هاشم، وفي نزلة اللويبدة أشرت له الى بيت سمير الرفاعي، وفي نزلة جبل الحسين أشرت له الى بيت هزاع المجالي و.. و..الخ. وربما اساء هذا الصديق الظن شأنه شأن الكثير من الاردنيين بأن هنالك فسادا وان هنالك وقائع مادية تشهد عليه وتحكم عليه بعقولها وقلوبها وضمائرها دون حاجة لاثبات ذلك بالقضاء، فاثبات الفساد هو اصعب من اثبات الزنا في الاسلام.. والله المعين.
rakan1m@yahoo.com
لا صوت يعلو على صوت الفساد..!!
أخبار البلد -
الحديث عن الاصلاح يظل نافلاً وبلا معنى إذا لم يحدد ما هو المطلوب اصلاحه، وما هو بديهي ان الحاجة للاصلاح هي رد على الخراب، وهي ايضاً رد على الفساد، وما يتطلع اليه الناس هو أن يكون الاصلاح فعلا ومنظومة عمل في مواجهة منظومة الفساد التي باتت حقيقة تجثم على صدر المجتمعات العربية ونحن منها، فالفساد بات منظومة والبيروقراطية كذلك باتت منظومة على قاعدة التفكك المحكوم بالعجز والاحباط الداخلي، والاستلاب والتغريب الخارجي، مما يجعل صوت الفساد هو الاعلى ولا صوت يعلو على صوت الفساد.