لم يكد يجف الحبر الذي وقع فيه رؤساء الجامعات الاردنية الرسمية على قرارات الغاء العقوبات المفروضة على الطلبة المشاركين في المشاجرات الجماعية, التي احدثت خلال السنوات الاخيرة اضرارا كبيرة بسمعة التعليم العالي في الاردن, حتى عادت احداث العنف داخل اسوار الحرم الجامعي لتفرض نفسها على الساحة من جديد متحدية فلسفة التسامح التي قامت عليها نظرية اعطاء فرصة لمن كانوا قد تورطوا فيها سابقا, لتضيف الى الصفحة البيضاء حديثا بعد العفو نقاطا في غاية السواد تشير الى ان هذه الحالة الجامعية الشاذة مستمرة الى ما لا نهاية.!
الحدث الذي شهدته جامعة اليرموك قبل ايام كان كبيرا بكل ابعاده ويؤشر على ان الخلل ما زال موجودا وليس من السهل تجاوزه, حين تدخلت شرطة اربد للحيلولة دون اتساع مشاجرة جماعية وقعت عند كلية الاداب وامتدت الى خارج اسوار الجامعة, شارك فيها ما يزيد على مئة طالب ونجم عنها اصابات بين الطلبة وتم نقلهم الى المستشفيات, نتيجة استخدام الحجارة والعصي وغيرها من ادوات حادة تسببت ايضا في تكسير زجاج عدد من المركبات واضرار اخرى على هذه الشاكلة من التخريب المقصود.!
تباينت الاراء في التوجهات نحو الغاء العقوبات عن الطلبة المشاركين في العنف الجامعي الى حد الاختلاف الكلي بين وجهتي نظر, وكلتاهما تؤكد على ان مثل هذه الاجراءات المتساهلة تتعارض مع الانظمة التي تحكم العلاقة بين الطلبة وجامعاتهم, لانه تم اللجوء الى التشدد في فرض العقوبة على المتورطين في المشاجرات لانها اتسعت خلال الفترة الاخيرة على نطاق غير مسبوق وبلغ تعدادها مئات الحالات ولم تسلم من وقائعها اية جامعة رسمية بل امتدت الى بعض الجامعات الخاصة.!
اما وجهة النظر الثانية في هذا الشأن فترى ان ظروف الازمات الحالية التي تعصف بها التظاهرات والمسيرات والاعتصامات من كل جانب, لا تحتاج الى مزيد من الاحتقانات الناجمة عن العقوبات التي طالت العديد من الطلبة المشاركين في مختلف اشكال العنف الجامعي, لانها ادت الى اعتراض هؤلاء واولياء امورهم على ما اعتبروه تعسفا بهم من قبل الرئاسات الجامعية, من خلال قرارات الفصل التام او الحرمان من فصول دراسية وغير ذلك من اجراءات عقابية سيكون لها اثرها الكبير على مستقبل من وقعت عليهم, وانه من الافضل في مواجهة كل ذلك اتباع نهج "عفا الله عما سلف" لتجاوز الحالة الراهنة الى بدايات جديدة على اساس ان المعاقبين يمكن ان يكونوا قد تلقوا درسا بليغا يمنعهم من العودة الى التشاجر مجددا.!
يبدو ان المراهنين على وقف العنف الجامعي عن طريق الغاء العقوبات عن الطلبة المشاركين في المشاجرات الجامعية, قد خاب املهم في ان عملية الصفح يمكن ان تؤدي الى احتواء هذه الظاهرة المؤسفة, بدليل انها اندلعت على نطاق واسع في احدى الجامعات الرسمية خلال الفصل الصيفي, وهي مرشحة للانتشار الى مزيد من الساحات الجامعية الاخرى في الفصول الدراسية القادمة, لان الاصل هو تطبيق الانظمة الصارمة على من يتجاوزون الحدود من الطلبة بلا اي هوادة او تهاون, لا ان نظل نهيء حرم الجامعة لشتى صنوف العنف والتعصب والايذاء والتخريب عوضا عن الدراسة الاكاديمية العالية ! .