مر الحدث بسلام لولا ان تعكر نهار الجمعة باحداث هي اقرب في وصفها الى سوء الفهم المتبادل ولكن على الطريقة الاردنية, ففي النتائج – وهذا ما يهمنا – اننا تجاوزنا ما توقعناه الاسوأ لقناعتنا ان اعتصام الجمعة اريد له ان يشكل علامة فارقة في العلاقة بين الاردنيين ,وبالتحديد العلاقة بين الاجهزة الامنية والمواطنين ,وهي علاقة صمدت لاكثر من الفي تظاهرة واعتصام دون ان تتحول الى صدام من اي نوع حتى بالرغم مما جرى على دوار الداخلية من احداث مؤسفة تقع في باب المواجهة بين من هو مسؤول عن الامن من جهة ,ومتظاهرين تجمهروا في مكان عام فاغلقوا الطرق واعتدوا بذلك على حقوق الغير من جهة أخرى ,مثل هذه المواجهة قد تحدث في اي بلد ديمقراطي في العالم فالذين احتجوا على العولمة في سياتل بالولايات المتحدة وفي روما وفي مدن غربية أخرى طاردتهم هراوات الشرطة وشحطوا الى عربات الاعتقال ووقعوا تعهدات ودفعوا كفالات باهظة لينالوا حريتهم , هذه طبيعة العلاقة بين جهتين متضادتين السلطة والمحتجين في جميع انحاء العالم ,ومن ضحايا مثل هذه المواجهات الصحفيون وحتى المارة في الشوارع.
ما جرى عندنا يكتسب حساسية خاصة ,ذلك ان رجل الامن والصحفي والمتظاهر ينتمون جميعهم الى مجتمعات تقليدية صغيرة او عشائر ضمن اطار مجتمع كبير ,ولذلك لا احد يقبل ان يهان او يضرب لا المعارض ولا رجل الامن , وقد قالها زميلنا ياسر ابو هلاله في تغطيته للحدث ,فرغم انه صحفي متحضر ويدير مكتب قناة ( الجزيرة) في عمان الا انه اعلن وعلى الهواء مباشرة استعداده عند الضرورة للعودة الى عشيرته لمحاسبة من اعتدى عليه ,ومثله بقية الزملاء الصحفيين ,فعندما يتعلق الامر بالكرامات نعود الى جذورنا والى عشائرنا لا الى مهنتنا التي ننتمي اليها ,فنحن لا زلنا نعتقد ان اسماء عشائرنا الرنانة تحمينا حتى عندما نخالف القانون ,وبالتالي فهي تتقدم على العمل الذي نقوم به ,وهذا ما يفسر سوء الفهم الذي حدث في ساحة النخيل هذه المرة ,وفي ميدان الداخلية في أذار الماضي ,لكنها مواصفة اردنية بامتياز ,فالعشيرة مهيأة بالكامل كي تهرع لنجدة ابنها الصحفي او المتظاهر ولو اختلفت معه سياسيا ,والصحفي مستعد للتنازل عن عامل المجازفة في حياته المهنية لصالح الحماية العشائرية التي يريدها احيانا وليس دائما ,فهو عندما يتعلق الامر بالعمل مع صحافات العالم وسفاراته ومنظماته المدنية مواطن يطالب بعلاقة مواطنة مع الدولة الاردنية ,فتجده يطلق التسميات الحديثة على مكونات المجتمع الاردني والدولة الاردنية, فمثلا هناك معارضة اصلاحية تقابلها موالاة متخلفة ,وهناك حرس قديم وقوى شد عكسي تقابلها ليبرالية , وهناك صحافيون تابعون يقابلهم صحافيون مستقلون واحرار لا يقبلون بالاملاءات ولا بالعطايا ,وغيرها من التسميات المترجمة , ثم عندما يتعلق الامر باعتصام او مسيرة قد تؤدي الى مواجهة مع رجال الامن فأن صاحبنا ينسلخ عن مواطنته بصيغتها الراقية بكل ما تحمله من مسؤولية تخصه شخصيا ويتحول الى عشائري ( نرفوز ) لا يقبل ان يقال له ( امشي من هون ) او ( ارجع ورا ) فتجده يرد ويتحدى ولا ينصرف الى شؤونه ومهمته الصحفية كما يفعل زملاؤنا الغربيون ,فنحن نتعلق بحقوقنا العشائرية كصحفيين على حساب الموضوع الصحفي والحدث الذي نغطيه وبطبيعة الحال حق الآخرين علينا, وهكذا تتحول العلاقة الى شخصية جدا بين الصحفي الاردني واي مسؤول في الدولة ,وهذا ما يفسر الاخفاقات المتلاحقة وقلة المعلومة وضعف التغطية والتي غالبا ما تعوض باضافات الى القصة الرئيسية وبعصبية اردنية معروفة ,وبطبيعة الحال بتحميل المسؤولية لرجال الامن الذين حالوا بين الصحفي ومهمته ,ونتناسى ان اهم عنصر في نجاح العمل الصحفي هو المجازفة والشجاعة والتخلي عن العنتريات والاذعان احيانا من اجل الحصول على المعلومة . وللحديث بقية.