لقد تشكل التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والحضاري حول الزراعة، وظلت الزراعة هي المحرك الأساسي للانتماء والهويات والتشكلات الاجتماعية والوطنية، وما زالت هي الأكثر تعبيرا عن العلاقة بالمكان، من ثم فإن تغييب الزراعة والمزارعين في التنظيم الاقتصادي والاجتماعي ساهم بقوة وعمق في تفكيك العلاقة بين الهوية والمدن والبلدات وبين السياسات والقيادات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، .. ونشأت قيادات مؤثرة في التنظيم السياسي لكنها لا تعكس قواعد اجتماعية أو مصالح اقتصادية ووطنية، وتحولت الإدارة العامة إلى وظائف منفصلة عن المجتمعات والمدن، .. ثم وفي تحولات أكثر خطورة تركزت الثروة بيد قلة غير منتجة وغير منتمية أيضا، وصارت قطاعات طارئة مثل العقارات والبنوك هي مصدر الثروة، برغم أنها (التمويل والأرض) لا يجوز أن تكون خارج الاقتصاد الاجتماعي، بل إن الأرض بخاصة لم تكن سلعة مالية أو تجارية.
يعتمد الإصلاح على نحو رئيسي وجوهري على ردّ الاعتبار للزراعة كأساس للاقتصاد والاجتماع، ففي ذلك يمكن تطوير البلدات والمدن والمحافظات وتحويلها إلى مناطق جاذبة للسكان ومصدر للاستقرار والازدهار، إذ من شأن الاقتصاد الزراعي أن ينشئ متوالية تعظم الاقتصاد، مثل الصناعات الغذائية والدوائية والأخشاب والأعلاف والتقنيات الزراعية، ويبدأ ذلك بالطبع بمزارعين يتمتعون بحياة كريمة وفرص جيدة للنمو والمشاركة والتأثير
وفي المقابل فإن تهميش المزارعين اجتماعيا وإضعاف قدرتهم على تنظيم أنفسهم يؤدي إلى متوالية من الفشل، فإضافة إلى دفع فئة من المواطنين إلى الفقر فإن البلدات والمدن الطرفية وما حولها من منظومات اقتصادية واجتماعية تتعرض للنزف والهجرة إلى العاصمة، ولا يمكن مواجهة هذا التكدس في عمان وما حولها إلا بتحويل الزراعة والبلدات إلى نقاط جاذبة للمواطنين والأجيال أيضا.
وبالمناسبة أين نقابة المهندسين الزراعيين؟ وما دورها وما رأيها فيما يتعرض له المزارعون؟ هل تجد نفسها ومصالحها منفصلة عن الحالة الزراعية في البلد؟