العرب وسباق الاحتمالات
- الخميس-2011-07-11 17:43:00 |
أخبار البلد -
العرب.. وسباق الاحتمالات »1« قراءة في تطورات المنطقة العربية والبدائل المستقبلية بلال حسن التل ورقة عمل قدمت إلى الملتقى الإعلامي لمناهضة الاستكبار العالمي ودعم حركات المقاومة في المنطقة الذي عقد بالعاصمة اللبنانية بيروت يوم 22 أيار 2011 بدعوة من المؤتمر الداعم للمقاومة ومعهد المعارف الحكمية. لم يكن المراقب, للواقع العربي, يحتاج إلى تأمل طويل, حتى يوقن أن الاحتقان في الوطن العربي, قد وصل إلى درجة لا تحتمل, من الكبت السياسي, المتمثل بقمع الحريات العامة, والاعتقال والنفي, المصحوب بالفساد الذي استشرى في كل المجالات, حيث صار حكم الفرد المستبد ثابتاً من ثوابت النظام السياسي العربي, وصار نهب ثروات الشعوب, ممارسة يومية لدى الحاكمين وبطاناتهم, وصار إفقار الشعوب سياسة معتمدة, فتزايدت مساحات الفقر يوماً بعد يوم, حتى في تلك الدول التي تصنف بأنها ثرية. حيث تذهب الثروة إلى خزائن الحكام والبطانة الفاسدة, ولم يكن جلها ينفق على إحداث تنمية حقيقية تخلق حالة من التوازن السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع وتخفيف مساحات الفقر المتسارع, ولا من نمو البطالة الذي صار يلتهم حياة شباب الأمة ويسد عليهم أفق المستقبل. ومع الفساد السياسي, الذي كانت أبشع صوره استلاب إرادة الأمة, والارتماء ليس في حضن العدو الأمريكي والإسرائيلي, بل وتحت حذائه. بعد أن طوروا نظرية أن 99% من أوراق الحل بيد العدو الأمريكي, إلى نظرية الزحف على البطون, ليقبل هذا العدو بالعمل على حل قضايانا. وفي ظل هذا الاستخذاء غير المسبوق عاد الاستعمار المباشر إلى بلادنا, ليس من خلال تحكم سفراء أمريكا بقرارات جل الدول العربية فحسب. ولكن من خلال القواعد العسكرية والوجود العسكري الأمريكي المباشر في معظم الدول العربية. ومع هذا الفساد السياسي المصحوب بفساد اقتصادي مدمر, انتشر الفساد القيمي, فصارت الخيانة وجهة نظر, والعمالة مدعاة للتفاخر, فصار التعامل مع السفير الأمريكي في هذه العاصمة العربية أو تلك أمنية الكثيرين, بل وغاية المنى عندهم. بعد ان كانت مجرد شبهة التواصل مع هؤلاء السفراء, كفيلة بإنهاء الحياة السياسية لمن يشتبه بصلته مع الأمريكان. وقد افرز هذا الفساد القيمي فساداً أخلاقياً, استشرى في مجتمعنا العربي, وفق خطة ممنهجة لتدمير شباب الأمة وقدراتهم, ولتفريغهم من القيم العليا وإلهائهم, عن الأهداف الكبرى للأمة, خاصة تحرير الأوطان بعد تحرير الإرادة السياسية للأمة. أربعة احتمالات لقد أدى كل هذا الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى حالة احتقان غير مسبوقة عمّت المجتمع العربي كان لا بد من أن تعبر عن نفسها عبر واحد من أربعة احتمالات كانت وما زالت تتسابق في الوطن العربي بفعل تفاقم الأوضاع وتعاظم حالة الاحتقان والغضب الشعبي: الاحتمال الأول: أن تقع سلسلة انقلابات عسكرية, في المنطقة العربية, لتغيير أنظمتها السياسية. وكان هذا الاحتمال ضعيفاً, لأسباب عديدة أبرزها ان الجيوش العربية, كانت كلها خاضعة لرقابتين, داخلية وخارجية, تحصي أنفاس جنودها وضباطها. خاصة بعد أن تم إضعاف هذه الجيوش وتقليصها, لحساب تضخيم أجهزة الأمن الداخلي. كما أن الانقلاب العسكري لم يكن ليقنع كثيراً من أبناء الأمة بعد ما ذاقوه على أيدي الانقلابيين. الاحتمال الثاني: أن يؤدي الاحتقان الشعبي, خاصة بسبب الفقر والجوع والبطالة, إلى انفجارات شعبية بلا رؤوس. فتغرق المنطقة في حالة من الفوضى. وهذا الاحتمال ما كان مقبولاً لدى الدوائر الغربية والأمريكية تحديداً. خاصة في دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة. خوفاً من تطور مثل هذه الانفجارات الشعبية, إلى حالة منظمة تؤدي إلى ثورة حقيقية, مما سيشكل خطراً على إسرائيل, وأمنها واستقرارها. بعد أن تحولت بعض أنظمة هذه الدول إلى حارس للأمن الإسرائيلي. الاحتمال الثالث: ان تقوم ثورة شعبية حقيقية, على غرار ما حدث في إيران مثلاً, لتغيير الواقع في بلد عربي أو أكثر, من بلد وهذا الاحتمال يحتاج أولاً إلى توفر قيادة شعبية موثوقة لديها خطة وتصور ووضوح رؤية. وهو ما لم يتوفر لأسباب كثيرة. الاحتمال الرابع: أن يستبق الأمريكيون التطورات, فيصنعون التغيير, وفق هواهم. مستغلين حالة الغضب, والرفض عند أبناء الأمة العربية لواقعهم, ومن واقعهم. وأعتقد ان هذا هو الذي حدث, فقد استبق الأمريكيون التطورات وفازوا في مضمار السبق ولو بشكل مؤقت عندما استطاعوا ان يركبوا موجة الغضب الشعبي لتحقيق المزيد من التدخل في الشؤون الداخلية للوطن العربي. بل وأكثر من ذلك فقد سعوا لوضع خارطة طريق للأحداث التي شهدتها البلاد العربية منذ مطلع عام 2011 وصاروا يقررون شرعية هذا النظام وعدم شرعية ذلك النظام السياسي العربي. ونصبوا هم وحلفاؤهم الغربيون متحدثين رسميين باسم أبناء أمتنا. نقول ذلك رغم كل ما في هذا القول من مرارة وغصة. لأننا كنا نأمل أن تكون النخب والقيادات الشعبية العربية جاهزة لإحداث التغيير الحقيقي الذي تنشده جماهير الأمة, وهو الشرط الذي لم يتوفر. فسارعت الولايات المتحدة الأمريكية لتجديد الأنظمة العربية الدائرة في فلكها قبل ان يغيرها أبناء الأمة بأيديهم, عندما يتوفر لهم شرط القيادة الجاهزة لصناعة التغيير. والولايات المتحدة الأمريكية بهذا التجديد للأنظمة السياسية تقطع الطريق أولاً, على التغيير الحقيقي الذي تنشده الجماهير من جهة, وتضرب الأمة بعضها ببعض من جهة أخرى. فبعد أن استخدمت الولايات المتحدة النظام الرسمي لقمع إرادة الشعوب, سعت إلى استثمار غضب الشعوب لضرب الأنظمة التي استنفذت أغراضها منها, وصارت عبئاً عليها ومصدراً للغضب والثورة والتطرف, لدى شعوب المنطقة. فكان لا بد من العمل على استبدال شخوص هذه الأنظمة لتجديد دمائها. بدلاً من ان تؤدي حالة الغضب الشعبي إلى تغيير جذري لهذه الأنظمة. وفي إطار الغضبة الشعبية العارمة التي ركبتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون سعت وتسعى الدوائر الغربية إلى تضييق الخناق على جبهة الممانعة والمقاومة, من خلال ما يجري في سوريا لضرب صمودها, ومن ثم ضرب المقاومة في لبنان, وفك التحالف مع إيران مستثمرة انشغال المنطقة بحركة الاحتجاجات لتمرير مخطط تصفية جبهة الممانعة الحاضنة للمقاومة. مؤشرات إن المؤشرات التي تدل على التدخل الأجنبي في معظم ما يجري في المنطقة كثيرة. منها المعلومات التي تكاثرت عن الاستعدادات التي كانت تجري لإحداث تغييرات في المنطقة وفق المقياس الأمريكي. وهي استعدادات كثرت الوثائق والتصريحات حولها. ومن ذلك تصريحات الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (امان) الجنرال ''عامواس بادلين'' اثناء تسليمه مهامه لخليفته ''أفيف كوفي'' في تشرين الأول 2010 حيث قال: (لقد نجحنا خلال أربع سنوات في الوصول إلى شمال افريقيا, حيث تقدمنا إلى الأمام وذلك من خلال نشر شبكات الجواسيس في ليبيا وتونس والمغرب وتركيز نشاط هذه الشبكات على مكونات ومقومات هذه البلدان) وأضاف قائلاً: (لقد أصبحت هذه الشبكات تضع كل ما نريد تحت أيدينا وهي قادرة على التأثير السلبي في مجمل أوضاع ليبيا وتونس والمغرب). معتبراً (ان ذلك يعد انجازاً كبيراً بعد انجازات العراق واليمن والسودان بالإضافة إلى الإنجازات المنتظرة في القريب في لبنان). فإذا استذكرنا مع هذه التصريحات ما جاء في محاضرة وزير الأمن الداخلي الصهيوني الأسبق ''افي ايختر'' في تشرين الأول من عام ,2008 التي ألقاها في العاصمة البريطانية لندن, تحت عنوان ''أبعاد الحركة الإستراتيجية الإسرائيلية القادمة في البيئة الإقليمية'' حيث تحدث عن سعي إسرائيل ل¯ (خلق الفوضى وإثارة الصراعات واستخدام قوى داخلية وتوظيفها لتؤدي المهمة بدلاً من التدخل المباشر, كذلك التوظيف لجماعات أثنية وطائفية أو قوى معارضة لديها الاستعداد مقابل دعم تطلعاتها للوصول إلى السلطة, والعودة أيضاً إلى إقامة أو تجديد تحالفات إسرائيل مع دول الجوار على غرار حلف المحيط الذي شكله (ديفيد بن جوريون) في منتصف الخمسينات مع تركيا وإيران وأثيوبيا في نطاق إستراتيجية شد الأطراف أي شل قدرات دول مثل العراق وسوريا والسودان حتى لا تستخدم في المواجهة مع إسرائيل). تحضيرات ثم إذا ربطنا مضامين هذه التصريحات والمخططات مع مصطلح (الفوضى الخلاقة) الشهير, الذي أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ''كوندليزا رايس'' لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد, خاصة اثناء عدوان تموز في لبنان عام ,2006 ثم ربطنا هذا المصطلح مع تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية ''هيلاري كلينتون'' في كانون الثاني من هذا العام في الدوحة, وهي تخاطب ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والحكومات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا, حول ''إنعاش النظام السياسي الراكد'' وحول ''غرق مؤسسات المنطقة في الرمال'' وعن ''مؤشرات الأمل في وجود شرق أوسط جديد وخلاق'' عرفنا حجم التحضيرات الغربية لإحداث الفوضى والقلاقل في البلاد العربية وهو بالضبط ما تحدثت عنه صحيفة ''نيويورك تايمز'' الأمريكية يوم 14 نيسان 2011 عن ضخ الحكومة الأمريكية, لملايين الدولارات عبر وكالات مختلفة من داخل وخارج جهازها الرسمي, لتحريك مجموعات من المنظمات الممولة من قبل الحكومة الأمريكية التي تعمل تحت شعار الترويج للديمقراطية, في الدول العربية. وتأكيد الصحيفة بأن الحملات الأمريكية لعبت دورا في إثارة الاحتجاجات القائمة في بعض الدول العربية أكبر مما كان يعتقد سابقاً, حيث دربت الولايات المتحدة الأمريكية قادة بارزين على كيفية شن الحملات والتنظيم, من خلال وسائل الإعلام الجديدة. وقد كشفت الصحيفة هوية عدد من المجموعات والأشخاص الضالعين مباشرة في الانتفاضات في المنطقة, من بينها ''حركة شباب 6 ابريل'' في مصر, ومركز حقوق الإنسان في البحرين, وناشطين مثل انتصار قاضي, في اليمن حيث علقت لصحيفة بالقول: إن هؤلاء وغيرهم تلقوا تدريباً وتمويلاً من مجموعات مثل ''المعهد الجمهوري الدولي'', و''المعهد الديمقراطي الوطني'' والمنظمة الحقوقية المتمركزة في واشنطن ''بيت الحرية'', علماً بأن المعهدين الديمقراطي والجمهوري منبثقان عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا, فيما تتلقى منظمة ''بيت الحرية'' الجزء الأكبر من تمويلها من الحكومة الأمريكية, ومن وزارة الخارجية الأمريكية على وجه التحديد. كما ذكرت الصحيفة, بأن بعض من وصفتهم بزعماء الشباب المصريين, حضروا اجتماعاً حول التكنولوجيا في العام 2008 في نيويورك, حيث تعلموا كيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي, كالفيسبوك وتويتر, وتقنيات الهاتف النقال, للترويج لتحركاتهم. وتؤكد التقارير انه في إطار مبادرة الشراكة الشرق أوسطية تم عقد 350 برنامجاً منذ عام 2001 تحت إدارة الخارجية الأمريكية خضع خلالها عشرات آلاف من الشباب العربي للتدريب والتعبئة والتشبيك باستخدام وسائل الاتصال. وكان موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك, ومحرك البحث غوغل, وقناة تلفزيون الأغاني ''أم تي في'', ووزارة الخارجية الأمريكية, وكلية القانون في جامعة كولومبيا, من بين الراعين لهذا الاجتماع. وعن هذا الاجتماع يقول باسم فتحي, أحد المؤسسين لحركة الشباب في مصر: ''تعلمنا كيفية تنظيم وبناء التحالفات.. هذا بالتأكيد ساعد خلال الثورة''. أما اليمينية انتصار قاضي التي دربها الأمريكيون فتقول: (لقد ساعدني ذلك كثيراً لأنني كنت اعتقد ان التغيير لا يجري إلا بالقوة المسلحة). وتؤكد المصادر الموثوقة في العاصمة الأمريكية, ان نائبة مدير المخابرات الأمريكية ''ستيفاني اوسوليفان'' التي أمضت 30 عاماً في عالم المخابرات, كانت أحد كبار المسؤولين عن شبكات التواصل الاجتماعية التي استخدمت من طرف إدارة أوباما. يتبع