أن يُستقبل السفير الأمريكي روبرت فورد في حماة بالورود ليس عملا ثوريا, ورفض النظام السوري وتحديه لتحقيق مطالب الشعب السوري العادلة والمحقَة لا يكون بأن ينام فورد بين ظهراني أهل المدينة ويتجول في طراقتها وكأنه واحد منهم, لأنه ببساطة ليس ذلك الواحد, ولا يزورهم مسكونا بثقافة الأخوة الثورية والنضال الإنساني..و سواء كانت الزيارة قد تمت بتنسيق مع الحكومة السورية أم لم تتم, فإن ثوار سورية يرتكبون خطأ فادحا عندما يربطون مسار حراكهم المشروع بمباركة الأمريكي ودعمه.
لقد أثبتت تجربة تونس وكذلك مصر واليمن وليبيا أن المواطنين العرب عليهم أن يدركوا أن قدرهم مع الحرية وأن الوصفة الوحيدة لدمقرطة عالمهم, هي تلك التي يتحرك أصحابها وهم واعون بأنها ستكون عملية طويلة الأمد, معقدة, ومغموسة بالتضحيات, وهم مدركون كذلك أن أيادي كثيرة ستمتد لتعبث وأن الدول ذات المصالح والأطماع لن تقف متفرجة لتفاجأ بمخرجات الثورات كما فاجأها حدوثها. إن"الذات العربية" التي جرحت وأهينت مرات عديدة,واستعادت احساسها بالكرامة ببركة الثورات العربية, لا مفر أمامها اليوم من الخوف مجددا وبشدَة على الهوية واستقلال القرار. والقضية هنا ليست حالة عداء مع الغرب, وموقفا مسبقا,لكن معارضة سورية عليها وهي تقول للسفير الأمريكي "لك صدر البيت", أن تضع ما حل بالعراق نصب عينها حيث سجل "التبشير الأمريكي بالديمقراطية" سقوطه الكبير, وعليها أن تراقب بشكل واع وحذر الأداء الأمريكي تجاه ثورة تونس ومصر واللعب المكشوف الذي تقوم به اليوم في اليمن, كما عليهم أن يدركوا أن فورد لا يحمل حلا عجائبيا للمعضلة في سورية. صحيح أن الديمقراطية والحرية ليستا شأنا محليا, لكنهم سيدخلون أنفسهم في مأزق أخلاقي عندما يغلبون مصالحهم الحزبية وما يطمحون له من السلطة على مصلحة سورية الوطن.
لا شك في أن الرسالة وصلت إلى جميع الأنظمة الإستبدادية العربية, وهي إن كانت تراوغ حتى هذه اللحظة في فهم مقتضياتها, وتحاول مستميتة دفنها والتظاهر بأن الأمور تسير على مايرام, إلا أن قوة المهمشين والضعاف ممن وصفوا بأن "لا حول لهم ولا قوة " تقض مضاجعها,وهي تراهم يسقطون طغاتها, ويهزون عروشها. وهذه سبب وجيه آخر لجعل المعارضات العربية والسورية على وجه الخصوص تكف عن مد يدها للخارجي وتفسح له المجال بالتدخل,لأنها بذلك تعطي ذريعة وسببا لإطالة عمر الأنظمة المستبدة وتشد مفاصلها الواهنة.
مرة أخرى للمعارضة السورية:ربيعكم بدأ..فلا تجعلوه ربيعا قصيرا سرعان ما ينتهي!.