نستطيع أن نخرج اليوم بنتائج وتحليلات كثيرة جدا عن محصول الحراك السياسي الذي تم في الدول العربية مع بداية عام 2011 وسيكون هناك مواد زخم لدارسي علم الاجتماع السياسي وعلم النفس الذين سيغيرون نظريات مسبقة كثيرة، وهذا لا يعيبهم حينما نكتشف أن ما حدث فاجأ اكبر أجهزة المخابرات العالمية كالأمريكية والصهيونية .
في الأردن لم يحدث شيء مفاجئ نهائيا فقد كنا نصارع الفساد ونعترف به ونعرف المتلطخين به،وفض مجلس نواب 2007 لأنه فقد ثقة الشارع، وقيلت الحكومات العشرة لأنها كانت تنتهي سياسيا وشعبيا، وفي الأردن نختلف على مئات الأشياء ونتفق على الحكم الهاشمي ونعترف أن البطانة الحكومية لا تنفذ الخطط الملكية ،و نتفق على أن ننزل إلى الشارع ولكن بان نحفظ أمنه، ويعرف كل مواطن ما هي الخطوط الحمراء وندرك أن المعارضة حريصة على امن الوطن ، ولا تتخطى ما قد يسيء له بينما ندرك أن المولاة الشعبية هم الأغلبية المؤثرة المخلصة بلا ثمن بينما المولاة السياسية مجموعة من النخب الاقتصادية والسياسية والإعلامية التي تعتمد نسبة موالاتها على حجم تحقيق الفائدة المكتسبة فان توقفت انقلب الحال.
أعمق مشهد للمعارضة الخارجة من رحم المولاة في الأردن كان يتجلى في مشهدين الأول في الصف الأمامي للمسيرات الأولى وخاصة وسط عمان –من المسجد الحسيني- والثاني أسفل جسر الداخلية 24/3 حيث شاهدنا بتمعن أشخاص كانوا محسوبين جدا على الأجهزة الأمنية والحكومات السابقة، وما أن عُطلت مصالحهم أو طردوا منها، انقلبوا ، ولو كان لدى البعض منهم ذرة خجل لما ادعى انه خرج لأجل الحرية ، بينما كان مشهد 24 آذار أكثر وضوحا في تلك المنطقة الضيقة فقد اجتمع إعلاميون موالين سابقين، أو لنقول السن سابقة للأجهزة الأمنية، مع مجموعة أخرى من السياسيين المنقلبين وذلك بعد انقلاب واضح من قبل الأجهزة الأمنية التي غيرت سياسيتها منذ عام 2008 فلم يعد هناك خصوص ولا تخصيصات، وتم قذف من انتهت فاعليتهم.
أؤيد هذا الأسلوب من الأجهزة الأمنية واجد عذرا للحكومات المتغيرة ، ولكن هذا لا يتم مرة واحدة، لان طريقة الاسترضاء تم عبر عقود ، وقطع الدلع مرة واحدة شكل حالة هجرة، سيما أننا نقدم مولاة فائضة من مصالح مكتسبة طالما أن "الوطنية البعل " غير موجودة والشخصيات السياسية والإعلامية التي عانت من التهميش لن تكون بجانب أنظمة وحكومات أقستها.
ويبقى السؤال لكل جهاز امني وحاكم إداري لماذا تصرون على صناعة شخصيات تناسب هوائكم وأنتم الأعلم أنهم غير مؤثرين في الشارع ويخدعون كل ضيف حكومي ، ويقدمون وصفا مغايرا، حتى لو كانوا لا يخالفونكم قيد أنملة ولكن الولاء الحقيقي بمن يصف حال الشعب وينتقد بصدق وله تأثير في الشارع ونسال مرة أخرى لماذا صمدت شخصيات المعارضة منذ عشرين عاما وكانت الأبرز في حراك المسيرات بينما لم نجد شخصيا كم تسير مسيرات حتى لو دفاع عنكم واكتفوا فقط بالشتم أثناء الاتصالات الخاصة إن كنت اكذب فهناك آلاف الصور لأصحاب الصفوف الأمامية بينما صور المسيرات لا تظهر سوى المعارضة.
في لغة الاسترضاء ثمة شيء غريب يحدثني عنه الكثيرون دوما وهو أن الأجهزة الأمنية والحكومية لا تقدم هاتف شكر لأي موقف سياسي وهنا اذكر الشكر اللفظي وليس المادي تخصيصا ، وهناك من لايجد حتى العرفان بالجميل ، بينما يجد من لا يقدم أي موقف يحظى بالتكريم والاهتمام، وفي حالة مشابهة ان كتب مقالا قاسيا أو موقفا سياسيا جريئا تقلب الدنيا فوق رأسه.
شخصيا الحمد الله أنا غير معني بكل هذا لأني ارفض ككاتب أن أوجه من احد ، وارفض أن أكون كاتبا شعبيا مجاملا على حساب أفكاري، أو موجه امنيا، ومع ذلك واجهت كثيرا المعارضة وكتب ضد الإخوان المسلمين وكتبت ضد طريقة 24/ آذار وبعض المبالغة للمسيرات وأطروحاتها، مثلما كتبت أضعاف ذلك ضد الحكومات وفسادها وتزويرها، لذا هذا الموقف بين المنزلتين أراحني من انتظار أي تقدير حكومي وبفضل الله لم ادعى من قبل أي جهاز امني او حكومي لا لحفلة وطنية ولا حتى من جهة معارضة لحضور حفل أو مسيرة مولاة أو معارضة ، وأنا ارفض أن أشارك بمسيرة من هذين النوعين لأني اعتبرهما استعراض فقط فالوطنية بالقلب والعمل بالخفاء سيما أني أؤمن بولائي لأفكار جلالة الملك فقط واختلف مع منهجية الحكومات التي ثبت فشلها.
ومع ذلك أجد بحق من يلق نكران الحكومات ، حيث هناك من يسرف في تقديم المولاة والطاعة ومع ذلك يجد الإهمال والتهميش ولا يحصل على اقل أنواع التشجيع، ففي استقبال جلالة الملك للشخصيات الأردنية يوم عيد الاستقلال لم تدع شخصيات قدمت مواقف موالية كبيرة جدا ووقف مع الحكومتين اللتان كانتا تعانيان من العزلة ، ومع ذلك دعيت شخصيات لم تقدم أي موقف للحكومة .
هذا الأسلوب المتبع منذ سنوات طويلة شكل حالة من هجرة المولاة نحو المعارضة التي تزيد كثيرا واقصد هنا في النخبة لان الكثير من الناس البسطاء حريصون على نصرة الحكومة حبا في هذا البلد مع جرحهم النازف من قبل ضرائب وأسعار الحكومات، وحبا منهم لجلالة الملك وخوفا من نمو مطالب المعارض.
طوال الأشهر الماضية والتي تلت ربيع الثورات العربية مع أني أجد انه شتاء لأنه تزامن مع شهر " يناير " ونحن نتابع الفيس بوك تحديدا أكثر من بث القنوات الفضائية والذي أنهي تفوق المواقع الالكترونية خصوصا بعد انه حسم معركة الثورة المصرية وكان المنظم للمظاهرات المليونية.
أما المسيرات في الأردن والتي بدأت في ذيبان والكرك مبكرا وقبل مصر ، اختلفت عن كل مسيرات الوطن العربي، وتابعت وقتها بعناية كل ما استطيع حيث كنت اقضي 18 ساعة أمام الفضائيات والانترنت وركزت كثيرا على الفيس بوك ولدي الكثير عما حدث ، ولان المسيرات لم تنته بعد فاني اقسم ما جرى إلى مرحلتين قبل 25/ آذار وبعد هذا التاريخ ، وفي كلتا الحالتين ثمة نقطة هامة جدا تميزت في الأردن وهي أن كل المسيرات التي خرجت كانت لحماية النظام .
لا أبالغ في هذا القول الذي قد يعتبره البعض غريبا ، فالمعارضة في معظم أشكالها لم تكن ضد القصر بل أرادت مهاجمة الحاشية والحكومات التي قلبت مشاريع الملك الإصلاحية سياسيا واقتصاديا ، وطالبت بمحاكمة الفاسدين ووضع حد لتدخل الأجهزة الأمنية في الانتخابات والوظائف والجامعات وترك المجتمع ينمو سياسيا واقتصاديا بإرادته دون وصاية وحمايته من الفساد وزيادة الضرائب.
وفي المقابل ظهرت مسيرات المولاة التي خشيت انتقال الانقلابات إلى الأردن خصوصا مع مفهوم ارتفاع المطالب، وهناك من لم ينتبه أي مطالب المعارضة ضد الحكومات وليس النظام، ووجدوا أن جلالة لملك يسير في وضع خطة إصلاحية شاملة سبقت الربيع العربي.
ما أود قوله أن هناك صناعات خاطئة للحكومة، وان حب الوطن بلا ثمن ولا يجوز أن ننتظر شكرا من حكومة أو جهاز امني أو محافظ أو متصرف أو أي تقدير لأننا نخلص لوطن وليس لجهة ما فلا واسطة بيننا وبين هذه الأرض، وفي المقابل الخلاف في الأردن على الفساد والتغول الحكومي وضعف الحال الاقتصادي وهناك إجماع على الإخلاص للملك .. وهذا حديث طويل سقته لأمور فرعية كثيرة تدور هذه الأيام أحببت أن أعالج عمومها ولا أود تقليص الأمر لشرح خصوصيتها.
Omar_shaheen78@yahoo.com