دعوة النائب الصهيوني المتطرف أريه الداد بان يكون الاردن وطنا بديلا للفلسطينيين، ليست جديدة وليست الأولى، وهي فكرة موجودة ومتجذّرة في الفكر الصهيوني التوسعي منذ أيام رائد الشوفينية الصهيونية جابوتنسكي في الاربعينيات من القرن الماضي. وهي حلم طالما راود المتشددين الصهاينة منذ اغتصاب فلسطين وانشاء الكيان الدخيل. وكانت تتراجع وتتوارى في بعض الفترات بفعل الظروف الدولية، ولكنها ظلت مزروعة داخل الفكر الصهيوني، تخرج الى السطح بين الحين والآخر. وقد عرض ارئيل شارون الفكرة على ياسر عرفات أثناء حصاره في بيروت عام 1982، الذي رد بحزم أن الاردن هو الاردن وفلسطين هي فلسطين، وهذا الامر لن يتحقق حتى في الأحلام.
لن تقلقنا دعوة الداد وأمثاله، فالقافلة تسير ولن يعوقها نباح الكلاب وإن كانت تزعجها، ولكن ما يثير في النفس الأسى ردود الفعل الباردة والتي لا تتناسب وحجم الخطر في الفكر الصهيوني، مما يدفع الداد وأمثاله لأن يستمرئوا اللعبة ويستمروا فيها. وخطاب نتنياهو في الكونغرس، ولاءاته الحازمة برفض إعادة الارض لأصحابها رغم الموقف الدولي، ليس إلا استمرارا وتجسيدا لفكر جابوتنسكي وشارون، وإن كان بلغة دبلوماسية مواربة. وقد أثبت الصهاينة أنهم لا يريدون السلام إلا وفق معاييرهم الخاصة التي فرضوها بمنطق القوة.
والأصوات الخجولة التي ترتفع أحيانا داعية للسلام داخل الكيان الصهيوني، إنما ترتفع خوفا على مستقبل دولتهم الدخيلة على المنطقة، وهم يستشرفون المستقبل ويستمدون موقفهم من التاريخ، فالنبت البري لا بد أن يقتلع من جذوره، والكيان الدخيل سينتهي يوما.
لقد راهن دافيد بن غوريون، أحد زعمائهم التاريخيين على عامل الزمن، بإنه سيجعل المهاجرين الذين شردوهم من فلسطين ينسون أرضهم. وأثبت الزمن أنه واهم؛ فالذين ولدوا خارج فلسطين كانوا الأشد والأقوى في المطالبة بحق عودتهم، ورفضهم لكل أشكال الحلول التي لا تضمن حقوقهم في وطنهم.
دعوة الداد وغيره من الواهمين والحالمين لا تقلقنا، فالموقف الشعبي الرافض لفكرته موقف ثابت لا يتزعزع ولن يتزعزع. فالاردن لن يكون وطنا بديلا للفلسطينيين ولا لغيرهم. وعلينا ان لا نسمح له ولأمثاله أن يصدّروا لنا قلقهم وإزعاجهم. وعلينا ان نقلب الموقف على رؤوسهم بأن نجعلهم يعيشون في جو القلق والانزعاج بموقفنا الشعبي الواحد المعتمد أساسا على الوحدة الوطنية القوية التي لا يدخل الشك اليها من قريب او بعيد، مستندين الى موقف رسمي قوي حتى لا يظن أحد أننا طرف ضعيف أو جدار يسهل التسلق عليه.
لقد وضعت لاءات نتنياهو التي أطلقها امام الكونغرس الاميركي الأمة العربية بكاملها أمام خيارات محدودة في التعامل مع هذا الواقع. ولم يخجل نتنياهو ولم يحسب حسابا لأحد، كما لم يخجل الداد وأمثاله. وعلينا حكومات وشعوبا، أن نتخذ موقفا صلبا وعنيدا أمام هذه التحديات غير المسبوقة. فنحن لن نخسر أكثر مما خسرنا،ولن يكون الحال أسوأ مما هو عليه في ظل التعنت الصهيوني الذي يزداد ويتشدد كلما ازداد التراخي العربي وكلما استمرت التنازلات التي نقدمها بلا ثمن. ولن يحترمنا العالم إذا لم يلمس موقفا صلبا، ولن يكون هناك ضغط على الكيان الصهيوني إذا لم يكن هناك ضغط عربي فاعل. ولدينا من أسباب الضغط ما يجعلنا قادرين على جعل نتنياهو يسحب لاءاته، وجعل امثال الداد يتوارون عن الانظار.
الأردن .. ليس وطناً بديلاً
أخبار البلد -