خلال مؤتمره الصحفي أمس الأول، أقسم رئيس الوزراء مرتين: مرة بأن السيدين وزيري العدل والصحة تطوعا بتقديم استقالتيهما انتصارا لمبدأ المسؤولية الاخلاقية والأدبية والسياسية، وبأن استجابته لذلك جاءت بعد اصرار الوزيرين على ذلك، وقد ضربا بذلك - كما اشار - نموذجا في الإيثار والتضحية وتحمل المسؤولية. أما المرة الثانية التي أقسم فيها الرئيس فجاءت في سياق «نفيه» القاطع لأية شبهة تجاوز للوزيرين في مسألة سفر «خالد شاهين»، وأكد أنه - والأردنيون - يعرفونهما ويقدرون تجربتهما وأنهما لا علاقة لهما أبدا بهذه القضية بشكل مباشر أو غير مباشر. لا يراودني أي شك فيما قاله الرئيس، لكنني توقفت أمامه كي أفهم مسارات هذا «اللغز» الذي أشغلنا منذ أكثر من شهرين، وللتذكير - فقط - فإن المرة الأولى التي سمعنا فيها تصريحا رسميا حول ما حصل جاءت من قبل وزير العدل الذي أشار آنذاك الى أن «حق الإنسان في الحياة يتقدم على كل القوانين»، في إشارة واضحة الى موافقته على ما حدث، رغم أنني أدرك تماماً ان السيد مجلي لم تكن لديه -حين ادلى بتصريحاته- اية تفاصيل حقيقية عن الموضوع.. وللتذكير ايضا فإن «لجنة» التحقيق التي تتولاها هيئة مكافحة الفساد لم تكمل بعد «اعمالها» مما يصعب علينا - الآن - ان نتكهن بمن هو مسؤول عن «تهريب» شاهين الى الخارج. وللتذكير ثالثا فإن من يتحمل هذه المسؤولية - سياسيا - ليس وزيري الصحة والعدل فقط، إنما ثمة آخرون يشاركونهما في ذلك.. ولم نسمع عن استقالة أي منهم. لا ندري -بالطبع- لماذا استبعد الوزيران «اكتمال» التحقيقات وما حقيقة الأسباب التي دفعتهما للاستقالة ولماذا آثرآ «التكتم» عليها؟! ولا ندري - أيضا - إذا ما كانت الحكومة - أصلا - في صورة «مسرحية» السفر وفضيحته فيما بعد، وعما إذا كانت قد تحملت ذلك «لأسباب أخلاقية وسياسية» فقط فيما «المسؤولون» عنها خارج الدوار الرابع؟! كما أننا لا نعرف بعد عن تفاصيل «مكالمة» المواطن الذي ادعى ان لديه «تسجيلا» لمكالمة جرت ورشوة قدمت لتسهيل مهمة المتهم «شاهين».. كل هذه المعلومات ما تزال قيد التحقيق.. وأعتقد ان استقالة الوزيرين لم تقدم لنا أي جديد، اللهم إلا على صعيد «النوايا» الطيبة للحكومة للاستمرار في محاسبة المسؤولين، وهذه النوايا ما تزال في دائرة الاختبار والانتظار ايضا. يمكن ان نقول ايضا إن استقالة الوزيرين ستفتح المجال امام اسئلة قادمة تتعلق «بالمسوؤلية السياسية والأخلاقية» للحكومة ووزرائها حول قضايا كثيرة ما تزال معلقة، كما انها سترسخ «نموذجا» جديدا لمحاسبة «المسؤول»، اينما كان موقعه، بحيث تصبح «الاستقالة» الخيار الأفضل، والأقل كلفة. لكن ماذا عن مصير الحكومة بعد استقالة الوزيرين؟ وماذا عن مصير قضية «شاهين»، وماذا عن مصير «قضايا» اخرى ما تزال قيد التحقيق كقضية «البلطجية»، وقضايا «الفساد» الكبرى قضية «الكازينو» مثلا.. هل سيتحمل الوزراء والمسؤولون «ادبيا وسياسيا» أية اخطاء او تجاوزات ربما حصلت فيها؟! وهل سيفتح «بازار» الاستقالات استنادا الى «العرف» الذي كرسته الحكومة في هذا المجال؟! بصراحة، نرحب باستقالة الوزيرين مهما كانت ملابسات هذه الاستقالة، لكننا نتمنى ان تكون خطوة في طريق «الكشف» عن المسؤولين الحقيقيين الذين تورطوا بـ «فضيحة» شاهين، وخطوة ايضا في طريق اصلاح حقيقي وسريع «يجتث» الفساد من جذوره، وينتصر لمبدأ «العدالة وسيادة القانون واستقلالية السلطات ايضا. |