كلمات في عنوان المرحوم المفكر الدكتور محمد عبد العزيز القطاونه:
بين يدي ذكراك أبا بلال.
ما أقسى عودة الأشياء بعد فوات الأوان
في رواية مُدن الملح لعبد الرحمن منيف متكأ لِما يختلج القلب من حزن وحسرة على رحيل رجل مواقف من أبناء هذا الوطن – من أبناء الكرك – إنه المرحوم الدكتور المفكر محمد عبد العزيز القطاونه الذي ترجل دونما استئذان قبل بضعة أسابيع، حيث التحق بالرفيق الأعلى ، ولطالما رثا قلمه على صفحات المواقع الإلكترونية عظماءَ العلمِ والمعرفةِ، وكم تَحسَر وبث حَزنه على وطن أشبه ما يكون بمدن الملح ولكن بدون نزوة أو ثروة نفطٍ، وبدل الذهب الأسود ذهب أحمر قانٍ من دماء أبناء هذا الوطن، ففيه صاروا مستثمرين وبه باعوا واشتروا ومنه اغتنوا وارتووا وازدادوا عطشاً له كلما كبرت كروشهم ورؤوسهم عكساً مع أجسادهم وضمائرهم وطرداً مع أرصدتهم ومساحة سيطرتهم وسطوتهم فتعاظم الكرش حتى صار احدهم بلا رقبة مما أعاق التفاتهم نحونا والإنسان أغلى ما نملك.
المرحوم الدكتور محمد عبد العزيز القطاونه كان مُبدعا وفناناً في كل شيء لكنه كان قليل حظٍ في دنياه فعاش كل صنوف الشقاء والفاقة يبحث عن وطنٍ فلا يجد.... يُفتش عن فرصةِ عَملٍ في طول الوطن وعرضه فيعز الطلب على مثله، رغم اضطراره في كثير الأحايين إلى سؤال اللئيم وما أصعب أن تجد نفسك مع اللئيم وجهاً لوجه في طلب حاجتك فلا يجيبك وربما يصدك أو كما اليتيم يَدُعَكْ!، فيا وجعي يا دكتور محمد وقد خبرتك عزيز نفسٍ لكنه الوطن نحمل همه ولا يكترث بنا ونَبِرهُ ولكنه ببركات الأغوات على الدوام يعقنا.
أفنيت حياتك يا أبو بلال وأنهيت عقدك الخمسين هو عمرك في البحث عن مواطنةٍ صالحةٍ أو هوية مواطن من الدرجة الثالثة أو حتى بمستوى هندي أحمر فعز على الأغا أن يجيب طلبي وطلبك ، والآن وبعد أن حثونا وأََهَلْنا عليك التراب وبعد أن غيبك عنا يا قرير العينٍ قبرك، تُطالعنا صحفنا أن الآغا قد يستجيب إلى طلبك!!!....فنقرأ في أحداها أن على المرحوم مراجعة ديوان الخدمة المدنية مُصطحباً أوراقه ليتم تعيينه في وظيفة لطالما انتظرها ولكنه عبثاً انتظر فمل الانتظار ولملم أشلاءه ورحل وترك بناته الخمسةَ اللواتي فقدن الوالدة قبل الوالد لتنتقل حالهن من يتمٍ إلى لُطْم وفقط ترك لهن شهادة دكتوراه لم تسمنه ولم تغنه من جوع ولم تكن له شفيعاً عند السلطات وكذلك شهادة وفاة ليتم إيصالها إلى ديوان الخدمة المدنية بالبريد المُستعجل كي يُغلَََق الملف وتُقيد القضية وكما كل قضايا الناس وقضايا الوطن يُكتب عليها قُيدت ضد مجهول وتُطوى الصفحة!.
وكما عودة الأشياء يُسافر أحد شبان الجزيرة العربية من أحدى القرى النائية تحت وطأة الحاجة إلى الدمام وكم هي المسافات طويلةٌ في ذلك الزمان مع بدايات نزوة النفط ؟!....فيترك والدته عجوز تنتظر عودة فلذة كبدها وتنتظر معه الأمل لا يفارقها الألم بفراقه وطول انتظاره، لكنه لا يعود رغم عودة رفاقه!، فيأبى إلا أن تكون عودته مختلفة عن عودة الآخرين ((عودة خوش رجال)) وطمعاً في أن تكبر فرحة أمه!...فحينما يعود ويتسامع الناس خبر عودته وقبل أن يصل إلى بيته تموت الوالدة العجوز فيصل إليها ليجد جسدها مُسجى ووجهها إلى الأرض وأثر مِفحَص قدميها على التراب فينفلق كبده حزناً وحسرة وربما ندماً والقول لعبد الرحمن منيف: ما أقسى عودة الأشياء حين فوات الأوان.
د. م حكمت القطاونه hekmatqat@yahoo.com tel:0795482538