إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب
"عنترة بن شداد"
تناقلت وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي خبر اعتقال مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كاهن بتهمة الاغتصاب، ومثل هذا الخبر ليس غريباً على مدير منظمة تغتصب دولاً بأكملها بلا حسيب ولا رقيب.
نعرف أن صندوق النقد الدولي يحقق مصالح الدول العظمى على حساب الدول الفقيرة من خلال ربط التمويل بما يسمونه إصلاحات اقتصادية، لكنه الآن تجاوز ذلك ليحقق أيضاً مصالح اتحاد البنوك والشركات العالمية متعددة الجنسيات بعد أن أصبحت هذه الجهات ممولة لأنشطة الصندوق إضافة إلى مصادر التحويل التقليدية من الدول.
ويسلي كلارك جنرال أمريكي متقاعد ظهر في مقابلة مع موقع الديمقراطية الآن في العام 2007، قال فيها أنه بعد عشرة أيام من أحداث أيلول /سبتمبر 2001 سمع من زميل له أن غزو العراق بات وشيكا، فسأله: «وهل ثبت ضلوع العراق في هذه الأحداث؟»، فأجابه: «أبدا، ولكننا نخطط لإسقاط سبعة أنظمة شرق أوسطية خلال خمسة أعوام، تلك الأنظمة التي تحكم العراق وسوريا ولبنان والصومال والسودان وإيران.
ترى ما هو العامل المشترك بين هذه الدول؟ إن أياً من هذه الدول ليس منضما لبنوك التسوية الدولية (BIS)، مما يجعلها خارج سيطرة اتحاد البنوك المركزية في سويسرا، وأكثر هذه الدول المنشقة: ليبيا والعراق.
كتب (كينيث ستورتجن) في موقع Examiner –أي الممتحن-، قبل ستة أشهر من احتلال العراق، أن العراق قرر استخدام اليورو في تعاملاته النفطية، مما يعدّ إعلان حرب على السيطرة الدولية للدولار، وعندما احتل العراق وتحت مسمى الاصلاحات الاقتصادية، وبترتيب مع صندوق النقد الدولي، قام بريمر بتحرير الاقتصاد ليسمح للشركات الأجنبية بتملك البنوك المحلية وفتح فروع لها، وحدد الرسوم الجمركية بـ 5% لإغراق العراق بالسلع الأجنبية.
هذا قد يضيف سببا آخر لاستهداف الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان بشكل خاص للبنوك اللبنانية المعروفة باستقرارها واستقلاليتها، وإنشاء الثوار الليبيين بنكا مركزيا قبل مرور شهر على بداية الثورة، مما يضع علامة استفهام كبيرة على أولوياتهم. من قبل لم تحاول الأمم المتحدة إخفاء دورها في زعزعة دارفور ومن ثم انفصالها، والآن عصابات تشعل النار وتخرب في سوريا فلا يلبث الشعب أن يطالب بإسقاط النظام.
هناك جهات تتربص بالثورات العربية وتؤجج نارها، وتحاول سرقة الغنائم قبل انقشاع الغبار، بينما الثوار منشغلون يحلمون بغد أفضل حتى لو دفعوا أرواحهم ثمنا وحتى لو وضعوا أيديهم في أيدي جهات أجنبية لا يمكن أن تكون نواياها حسنة، فالشركات الكبرى تعمل على فتح أسواق جديدة لها واستدراج مستهلكين جدد، ولو فكرنا قليلاً لوجدنا أن ثلاثاً من خمس دول قامت فيها الثورات لديها اقتصاد مغلق وقوة شرائية عالية.
لا أقصد الدفاع عن نظام يحارب رعيته، ولكن أقول إن هذه الأنظمة بممارساتها الظالمة والفاسدة هي التي هيأت المناخ لثورات شعوبها، حتى لو أشعلت فتيل الثورة يد خارجية لها مصالح دنيئة جشعة ليس بينها رفع الظلم عن الشعوب.
لا شيء يقف في وجه نار الثورة متى اندلعت في هشيم القهر، لأن الضمان الوحيد الذي يملكه أي نظام هو ولاء رعيته، وهذه المعركة الشرسة خاسرة ما لم تواجه قبل اندلاعها بأسلحة الإصلاح، والاكتفاء الذاتي، والنمط الاستهلاكي المعتدل.