لم يكن تراجع حركة الإخوان المسلمين القوية المعارضة ، بقيادة الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد عن شعاراتها الدينية وأهازيجها ، وإستبدالها بشعارات وأهازيج وطنية في مهرجاناتها الانتخابية تعبيراً عن تخليها عن فلسفتها ومرجعيتها الدينية ، بقدر ما كان ذلك لدوافع سياسية حزبية أملتها تطورات وعوامل محلية وإقليمية ضاغطة ، ونصائح وصلتها من مرجعيتها الحزبية العليا من خارج الحدود ، إنعكاساً لتراجع دور الحركة ، وإحباط مشاريعها ، وإخفاق برنامجها على المستوى القومي العربي مما فرض عليها تغيير التوجهات وتبديل الاولويات ، وتتمثل بما بما يلي :
أولاً : إخفاق برنامجهم السياسي أردنياً الذي رفعته إنسجاماً مع إنفجار ثورة الربيع " شركاء في الحكم ، شركاء في القرار " عام 2011 ، ومطالبتهم العلنية بتعديل مواد الدستور الثلاثة 34 ، 35 ، 36 ، وبذلك تجاوزت الخطوط الحمراء ، أو كادت ، ودمرت جسور التفاهم والود وأفقدوا أنفسهم المظلة الحامية لهم طوال عشرات السنين ، من قبل الدولة الاردنية .
ثانياً : إخفاق برنامجهم على المستوى القومي بدءاً من مصر مروراً بليبيا واليمن والعراق وسوريا ، وفشلهم الفاقع في تركيا وعدم قدرتهم على فك حصار العدو الإسرائيلي الظالم على قطاع غزة ، وسياساتهم التي سببت الوجع لأهالي القطاع بدون أن يحققوا مكسباً واحداً لصالحهم أو لصالح الشعب الفلسطيني ، فحركة حماس التي حققت حضورها على المستوى الجهادي مع الانتفاضتين وخلالهما 1987 و 2000 ، تراجع دورها وغدت أسيرة لأتفاق التهدئة الذي وقعته مع العدو الإسرائيلي برعاية الرئيس الاخواني محمد مرسي يوم 21/11/2012 ، وجددته في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014 ، وتحولت إلى جهاز أمن وشرطة يحمي سلطتها الاحادية المنفردة ، وتوفير الامن للعدو الإسرائيلي بمنع أي عمل كفاحي من قطاع غزة ضد الإحتلال ، منذ سيطرتها المنفردة على قطاع غزة وحسمها العسكري عام 2007 .
إخفاقهم على الصعيد المحلي الاردني والقومي العربي دفعهم نحو الانحناء عبر سلسلة من المواقف والسياسات والاجراءات التالية :
1- تعيين عبد الحميد الذنيبات مراقباً عاماً مؤقتاً للحركة بمبادرة من قبل الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد وموافقتهما ورضاهما ، وبديلاً عنهما .
2- فشل مطالبتهم لعدد من الشخصيات أن يتوسطوا مع " الدولة الاردنية " لترطيب الاجواء معها وتحقيق المصالحة مع مركز صنع القرار وتوسلهم العودة للرعاية الرسمية الدافئة التي رعتهم لأكثر من نصف قرن ووفرت لهم الحاضنة الرسمية والجماهيرية التي قوتهم دون القوى والتيارات السياسية الاخرى اليسارية والقومية والليبرالية .
3- خوضهم الانتخابات النيابية للمجلس الثامن عشر يوم 20/9/2016 على قاعدة قانون مرفوض من جانبهم .
4- المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن قوائم جبهوية عريضة مع شخصيات تخلت عن إستقلالية موقفها القومي أو اليساري أو الليبرالي والتحقت معهم ضمن القواسم المشتركة التي جمعتهم مع هؤلاء من المرشحين .
5- تخليهم عن شعاراتهم الدينية وإستبدالها بشعارات وطنية فضفاضة ، وقد تم ذلك كله من أجل الحصول عبر صناديق الاقتراع على الغطاء السياسي والحضور التنظيمي بديلاً عن الغطاء القانوني الذي فقدوه .
الإخوان المسلمون تخلوا عن الشعارات الدينية سياسياً وليس مبدئياً ، فتلقفها عدد من المرشحين إستظلوا بها وتلحفوا ، لعلها تُعطيهم بعضاً من الشرعية الدينية ، وتكسبهم بعضاً من أصوات البسطاء من أبناء شعبنا الذين يعتقدون أن هؤلاء بشعاراتهم الدينية " يخافون الله " ويملكون المصداقية وسوف يخدمونهم بعد الانتخابات ، وحقيقة أنهم لن يكونوا أفضل من الإخوان المسلمين الذين يمكلون حزباً قوياً وبرنامجاً سياسياً ، نتفق أو نختلف معهم عليه ، ولكنهم يعملون لتعزيز مكانة حزب على أمل الوصول إلى سلطة إتخاذ القرار كما حصل لهم ومعهم في القاهرة ومن قبلها في غزة ، بينما هؤلاء الذين يرفعون الشعارات الدينية ، يرفعونها لمصلحة ذاتية إنتهازية شخصية ضيقة ، وينطبق عليهم في مسعاهم هذا القول القائل " ذاهبون إلى الحج والناس راجعة " ، فأحزاب التيار الإسلامي العابرة للحدود : أحزاب ولاية الفقيه ، والإخوان المسلمون وتنظيمي القاعدة وداعش ، يخوضون حروباً دموية ضد بعضهم البعض ، في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال ، تاركين الدمار والخراب والموت بلا رحمة ، لبعضهم البعض ، وجميعهم ضد الاخر سواء كان كردياً أو مسيحياً أو أمزيغياً أو إفريقياً أو أوروبياً ، حتى ولو كانوا مواطنين مثلهم ، بدون أي إحساس بالمسؤولية أو رغبة بالشراكة أو قبول المواطنة المشتركة أو الاحتكام إلى صناديق الاقتراع .
رايحين على الحج والناس راجعة
أخبار البلد -