اخبار البلد- خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف ومدراء الاعلام الرسمي أبدى الملك تخوفه من ان تؤدي التعديلات المقترحة على قانون الاحزاب الى ازدحام الحياة السياسية بعشرات الاحزاب الصغيرة, وما يحمل ذلك في طياته من مخاطر نشوء احزاب اقليمية او طائفية وجهوية.
ويرى الملك ان وجود كم كبير من الاحزاب السياسية لا يخدم عملية الاصلاح السياسي او تطوير الديمقراطية, ويعتقد انه من الافضل للأردن وجود ثلاثة الى اربعة احزاب تمثل الاتجاهات الرئيسية في المجتمع, ولهذه الاعتبارات يرى جلالته ان قانون الاحزاب اهم من قانون الانتخاب في المرحلة الحالية.
لقد جربنا في السابق فتح الباب امام تأسيس الاحزاب بالحد الادنى من العضوية فتشكل ما يزيد على ثلاثين حزبا, وبعد تعديل القانون ورفع عدد المؤسسين الى 500 تقلص عدد الاحزاب الى النصف تقريبا. ماذا كانت النتيجة في الحالتين? لم تتطور الحياة الحزبية, ولم يتغير دور الاحزاب في الحياة السياسية وظلت على هامش الاحداث باستثناء الحركة الاسلامية التي تتمتع بوضع جماهيري خاص.
لا يمكن للحياة السياسية والبرلمانية في اي بلد ان تنهض من دون احزاب كبرى واقطاب رئيسية تدير عملية التداول السلمي عبر البرلمان, لكن ذلك لا ينفي وجود احزاب صغيرة الى جانبها.
الدول وفي المرحلة الانتقالية للديمقراطية البرلمانية لا تستطيع التغلب على حالة التفتت الحزبي بالتشريعات فقط, فليس من سبيل امامها سوى المراهنة على تطور التجربة السياسية والتعايش مع ظاهرة الاحزاب الصغيرة الى جانب الاحزاب الكبيرة. المهم ان يتوفر المناخ السياسي الملائم لقيام التكتلات الكبرى, ومع مرور الوقت لا تجد الاحزاب الصغيرة مبررا لاستمرارها, فإما ان تتلاشى او تندمج مع الاحزاب الكبرى ويحدث ذلك في العادة تحت قبة البرلمان, حيث تفرض المصلحة على كل حزب - مهما كان لونه السياسي - الائتلاف مع آخرين او الاندماج معهم. فالبيئة البرلمانية القائمة على اساس كتلوي او حزبي توفر للمجتمعات السياسية المتقاربة في الافكار والبرامج الفرصة للاتحاد كي تكون اكثر تأثيرا وحضورا في المشهد السياسي.
إنها عملية طويلة ومعقدة احيانا, ونجاحنا في اختصار الوقت للوصول الى الحالة المثالية رهن بقدرتنا على ايجاد الرابط الموضوعي بين قانوني الانتخاب والاحزاب.
بمعنى آخر اذا لم ننجح في ربط الاحزاب بالحياة البرلمانية فاننا لن نتمكن ابدا من التأسيس لحياة حزبية جاذبة, فما هي مصلحة اي مواطن في الانتساب لحزب لا أمل له بتشكيل حكومة او المشاركة في صنع القرار. اذا تجاوزنا هذه العقدة فان المواطن عندها سيفضل العضوية في حزب كبير ومؤثر عوضا عن حزب صغير لا توجد امامه فرصة للوصول الى السلطة.
الاحزاب الكبرى لا تلد من فراغ وستظل صغيرة وهامشية ما لم تقتحم ساحة العمل السياسي, ووظيفة الدولة هي توفير البيئة التشريعية والسياسية المناسبة لها, ومنصة الانطلاق للإصلاح هي قبة البرلمان بلا ادنى شك.