في احد الأيام الصافية وعلى سطح المنزل تأملت كثيرا بـ«عوامة» خزان الماء صينية الصنع زهرية اللون كروية الشكل, تأملت كثيرا حول تصميمها وفكرتها البسيطة, وتأملت كثيرا حول هدفها وعملها الحقيقي الكبير, ثم تساءلت عن صاحب هذا الاكتشاف البسيط جدا والذي وفّرمن خلاله للبشرية جمعاء ملايين المكعبات من الماء التي كانت ربما ستذهب هدرا بدون مثل هذه العوامات.
صاحب فكرة عوامة خزانات الماء (...) أراد وبكل وعيّ حفظ منسوب المياه في الخزانات والأحواض المائية، والسماح للمياه بالدخول إليها في حال انخفاض المنسوب, فعند الامتلاء ترتفع العوامة وتغلق بوابة دخول المياه، وعند هبوط منسوب المياه داخل الخزان تهبط العوامة ويفتح بوابة الدخول مرة أخرى وتدخل المياه إلى الخزان وهكذا دواليك, مثل هذه العوامات تركب على مداخل المياه في الخزانات لتوقف دخول المياه إليها إذا ارتفع منسوب المياه فيها.
البعض منا وبكل صراحة منسوب الكلام في عقله وقلبه غير متوازن، ودخول الكلام إليه في حال حاجته للمعلومة مختلف تماما عن الدخول الطبيعي, فالبعض منا عند وصول الكلام له يحتاج إلى «عوامة»، وعند هبوط منسوب الكلام داخل عقله وقلبه يحتاج إلى هبوط مثل هذه العوامة لدخول الكلام الصحيح لعقله وقلبه, نعم البعض منا يحتاج إلى تركيب عوامة على مدخل قنواته السمعية لتوقف دخول الكلام الملفوف بالإشاعات والدعايات والكلام الخالي من الخميرة (خميرة الكلام), الكلام المغرض والذي يسيء للوطن.
بعوامة الكلام نطّور طريقة كلامنا عن طريق مراقبتنا لكلامنا وكلام الآخرين بالإضافة إلى التمثّل بالآداب بشكلٍ عام, ثم نجد أنّ فنّ الكلام له الأثر الكبير في بناء أروع العلاقات وأمتنها، كما أنّ حسن اختيار الكلام بمراعاة ظروف الآخرين ونفسيّتهم وأحوالهم يعد كفيلاً بتأليف القلوب بين الناس، وعلى العكس تماماً فعندما يسيء البعض في كثرة كلامه أثناء حديثه فإنّ هذه الكلام يولّد المشاحنات والبغضاء عند البعض, ...خزانات الكلام عند البعض منا يفيض منها الكلام وتذهب حروفها هدرا, حيث أن البعض بكلامه يشرّق ويغرّب كما يقال وبلغة غير مسؤولة من خلال إطلاق التعميمات والأحكام وتغيير وقلب الحقائق وإطلاق الإشاعات والأحكام.
من هنا جاءت الحاجة الماسة لهؤلاء الأشخاص إلى ما يسمى بــ«عوامة كلام» لحفظ منسوب دخول وخروج الكلام لديهم, والسؤال المطروح هنا هو هل عوامة الكلام ضرورية لبعض الأشخاص كضرورة عوامات خزانات المياه, الجواب طبعا نعم, لكن في المقابل نقول كثير من البشر منسوب الكلام الداخل والخارج عندهم يكون بقدر وبتوازن كبير جدا, هؤلاء لا يحتاجوا أبدا لـمثل هذه «العوامات».
بقي أن نقول إذا كان خزان الماء قياس واحد متر مكعب يحتاج إلى عوامة واحدة صناعة صينية زهرية اللون كروية الشكل, فان البعض منا قياس (شايف حالو) ربما يحتاج إلى أكثر من عوامة حتى ينظم طريقة دخول وخروج الكلام الزائد منه والذي هو في غير مكانه, وخروج الكلام الزائد من البعض لعدم وجود عوامة كلام عنده يسيء لهؤلاء الأشخاص أنفسهم ويسيء للآخرين, والاهم من ذلك كله انه ربما يسيء للوطن أيضا, وهنا تكمن الطامة الكبرى.
هؤلاء يحتاجوا إلى (عوامة كلام), ويحتاجوا أيضا إلى (عصفور تنفيس), كعصفور طناجر الضغط وهي عصافير تنفيس لتنظيم خروج متوازن للبخار من طناجر الضغط, هذه العصافير تبدأ بالصفير والزقزقة، بشكل أعلى، كلما ارتفعت درجة الحرارة في داخلها، وعندما تصل إلى أعلى درجة حرارة ممكنة، يأخذ الصفير شكلاً مختلفاً ومغايراً، تعرفه كل ربات البيوت، وتحفظ ذبذباته، ولكنته. شكرا لعوامات خزانات المياه عندما تحفظ وتضبط منسوب المياه في الخزانات, وشكرا لعصافير طناجر الضغط عندما تنظم وتوازن خروج البخار من طناجر الضغط, وشكرا للشركات الصانعة.