أنا ممتعض لأن مشروع "الكازينو" على شاطئ البحر الميت قد فشل، ويبدو أنه قد "مات" كالبحر قبل أن يولد!
وكنت قد امتعضت سابقا، لأن مشروع "كازينو" أريحا الذي كانت تعتزم السلطة الفلسطينية إقامته، إبان عزها وسطوتها، قد فشل أيضا!
ولأنني رجل مغرم بالرهانات فقد هيأت "تحويشة" عمري، استعدادا لفتح "الكازينو"، وفي ذهني صالات القمار المخملية المضيئة في "لاس فيغاس"، حيث ضجيج آلات النقود، وصخب المراهنين على الطاولات، والنادلات اللواتي يوزعن الكؤوس، بالمايوه، و"الفيش" المسحوبة بالعصي العاجية من أمام الخاسرين، والرجال المقذوف بهم إلى الشوارع، بعد أن فقدوا كل نقودهم!
كنت متشوقا إلى تلك المشاهد والصور، لأراقب الوجوه التي تطارد مكعبات النرد، وهي تعلق كومة ما تبقى من آمالها وأحلامها على رقم أصبح كل الأرقام والتواريخ في حسابات المراهنين، فهو قابل أن يكون تاريخا للميلاد أو الوفاة، إذا كان المراهن قد جازف بكل ما يملك، أو رقما فاصلا بين الربح والخسارة، إذا كان المراهن تاجرا، أو رقما يقود إلى "النصر" أو "الشهادة"، إذا كان المراهن من فلول "المناضلين" .
وتوقعت أيضا، وعلى اعتبار أن "الكازينو" سيقام على أرض عربية، أن أجد فيه كل الشخصيات الرسمية المحبة للرهانات، فمثلا كان يمكن أن يكون هناك وزير تفرد له طاولة بأكملها، مع نادلاتها، لـ"يلعب" وحده، عالمكشوف، ويقذف النرد عاليا، بانتظار أن يستقر على الرقم الذي ضمر عليه (والذي هو بالأساس عدد عشيقاته)، ثم يفاجأ أن وجه مكعب النرد قد استقر على الرقم (1967)، فيسقط مغشياً عليه!
وتخيلت، أيضا، أن وزير مالية، يدخل الكازينو هربا من ثقل الأرقام السالبة التي تقض مضجعه، ويختار طاولة قصية، ليرمي النرد، لكنه يسقط هو الآخر، بعد أن يرى النرد وقد استقر على الرقم "11"، الذي يذكره بحجم المديونية المترتبة لصالح صندوق النقد الدولي!
رجحت، كذلك، أن أرى تجارا رابحين، لأنهم وحدهم من يتقن فنون "التلاعب" بالأرقام كيف يشاؤون، من دون رقيب أو حسيب، فيضاعفون ثرواتهم برمشة عين حسناء واحدة بالمايوه!
أما المفاجأة التي قد تصدم الكثيرين، فتتمثل بأن الكازينو قد أقيم، فعلا، وعليكم أن تنسوا "طابق الفساد" الذي يتحدثون عنه، لذر الرماد في العيون!
صحيح أن "الكازينو" أغلق بعد ذلك، لكنه افتتح فعليا، في موعده المضروب تماما، بصالاته المخملية، وطاولاته الأبنوسية، وحسناواته اللواتي جلبن خصيصا من لاس فيغاس، لكن ما حدث عقب ذلك شكل كارثة لكل "المراهنين" على نجاح "الكازينو"، بعد أن أخذ حجم الرواد بالتضاؤل، يوما إثر يوم، حتى وصل مرحلة الكساد التام!
في البداية لم تعرف الأسباب الحقيقية وراء إحجام الزبائن عن ارتياد الكازينو، فقد اعتقدت الحكومة أن الأمر متعلق بالديكور، فاستبدلته بأثاث آخر أحضر على عجل من "تل أبيب"، أملا في استقطاب أثرياء اليهود، لكن بلا جدوى، ثم ارتأت الحكومة أن تستبدل طاقم الحسناوات الأميركي، بآخر هندي، على اعتبار أن زبائن الشرق معتادون على البشرات السمراء، لكن أيضا بلا جدوى، فقد ظل الكازينو فارغا.
وأخيرا وبعد عناء، تخللته الاستعانة بمخبري الـ"سي. آي. إيه"، وسكوتلنديارد، عرف السبب فبطل العجب، وسارعت الحكومة إلى إغلاق الكازينو و"الطابق" برمته، بعد أن تكشف لها أن السبب يعود إلى مكعبات النرد ذاتها، التي كانت تأبى غير التوقف عند أرقام بعينها، الأمر الذي أفزع "الزبائن"، ودفعهم للهرب!
أما الأرقام، فكانت مغايرة لكل ما ألفته أذهان الزبائن الرسميين العرب، الذين تقاطروا إلى الكازينو، بعد أن تجاوزوا عقدة الأرقام القديمة، من قبيل (1967)، و(1948)! فالأرقام الجديدة كانت تشير إلى نوع جديد من الصدمات لم يألفوه من قبل!
باختصار كانت الأرقام الجديدة التي استقر عليها النرد تشير إلى الآتي:
• (25 يناير): انطلاقة الثورة المصرية!
• (17 ديسمبر): انطلاقة الثورة التونسية!
• (26 سبتمبر): انطلاقة الثورة اليمنية!
• (21 شباط): انطلاقة الثورة الليبية!
• (4 شباط): انطلاقة الثورة السورية!
تلك هي قصة "الكازينو" من راء "الرهان" إلى فاء "الفساد".. ودمتم!