رواية تأجيل الانتخابات هي بحد ذات ذاتها خطاب ارتياب، لا جديد فيها، سوى محاولة بعضهم المحافظة على ما اعتبروها مكتسبات، حازوا عليها، بعد أن أثخنوا جسد الدولة والمؤسسات بالابتزاز وإشاعة الرعب من المستقبل «الحساس»، لكنهم – الرواة – في عين الحقيقة يحافظون على مستقبلهم ويحاولون حمايته، بمزيد من إقصاء وتهميش ..
تشكيلة مجلس النواب القادم المتوقعة؛ لن تختلف عن سابقاتها من حيث الانجاز، ومهما كان حجم تواجد المعارضة في المجلس فلن يؤثر على قرار المجلس القادم، وفي هذا الكلام «تطمينات» للمتخوفين من سيطرة إخوانية على قرار المجلس، ولا يمكن أن يكون أداء المعارضة نوعيا وجديدا و»خطيرا» على مصالح خصومها، إلا في حال المامها بفنون ومهارات المناورة السياسية، وهذا أمر لا يمكن أن تكتسبه المعارضة التقليدية لأسباب جوهرية متعلقة بالأيدولوجيا..
لماذا يريدون تأجيل الانتخابات؟
حديث انطلق واضحا منذ أيام، وكأنه بند على جدول أعمال، فليس له ما يبرره من مقدمات، خصوصا وأن الترشح رسميا للانتخاب لم يتم بعد، وفي حالنا لا يمكن اعتباره كإلقاء حجر في بركة راكدة، سوى ما تعلق بما يشبه «فوبيا» متعلقة بفكرة عودة المجلس النيابي السابق أو الحكومة السابقة، لكنه حديث غارق في التناقضات ويبحث عن أسباب مقنعة :
قالوا إن نسبة الاقبال على الانتخابات والتصويت ستكون متواضعة، دون أن يقدموا دليلا موضوعيا واحدا على هذا الزعم، فالمتوقع وعلى ضوء هذا القانون أن تزيد نسبة الاقبال زيادة ملحوظة، بعد أن توسع هامش التفاعل بين مكونات المجتمع، حيث أصبحت فرص نجاح المرشح مرتبطة بمجاميع وتكتلات من الناس، بينما كانت سابقا محصورة بفئات محددة بناء على قانون الصوت الواحد، ويتحدثون قانون الانتخاب، على اعتبار أن المواطن الناخب سيقوم بتقديم امتحان رياضيات في موضوع الاحتمالات والإحصاء، ويجب أن يكون لديه دورات في المحاسبة والتحليل العددي، وقفزوا عن حقيقة أن الناخب مطلوب منه الذهاب إلى صندوق الاقتراع والادلاء بصوته حسب قناعته، وترك الاحصاء والنتائج إلى اللجان المكلفة بها، والذي يتحدث عن عدم فهم لقانون الانتخاب يكون حديثه مقبولا حين يكون مرشحا ينافس على حيازة مقعد في مجلس النواب، فهو الذي يجب عليه أن يفهم رياضيات وتكتيكات الانتخاب، ويوجه ناخبيه للإدلاء بأصواتهم، فالقضية ليست مسابقة واحتبارات تقييم لمتقدمين يتنافسون على وظيفة محاسب في شركة مالية ..
أما الحديث عن أخطار خارجية داهمة، وأن ارتفاع حرارة الغلاف الجوي لا تتفق مع مناخ الأردن السياسي، وأن حروبا داهمة ستشب في المنطقة، وأن شعبية تركيا الأردوغانية، في مواجهة مع تركيا أتاتورك، فهي أحاديث تصلح أيضا لضرورة إجراء الانتخابات، فالحرارة والمرارة يمكن إطفاؤها بالممارسات الديمقراطية، بل هي ربما الطريقة الأكثر لياقة بالأردن وبمواطنيه وبدولته التي لم تتقهقر أو ترتد عن الاصلاح السياسي، واعتبرته هو ربيعها وفكرتها وأسلوبها في نزع فتائل التهديد بتفجير الساحة الشعبية ومقولة الحراك المستهلكة.
رواية التأجيل؛ هي النسخة الثانية من حديث التمديد للمجلس السابق المنحل دستوريا، وهي حديث التغول على الوطن وعدم تقدمه وانفتاحه وتوسيع قاعدة المشاركة في صناعة قراره، ويريد بعضهم أن نقتنع بأن مجلس النواب القادم هو مركبة فضائية، ويحذرنا من أننا سنفقد الاتصال بها حال انطلاقها خارج الغلاف الجوي، وربما تسقط المركبة في عمق صحراء العرب، فتنبجس منها كل عيون الأخطار وسوء الأقدار !.
الانتخابات؛ يوم أردني ينطوي ككل الأيام، والمجلس المتمخض عنها يولد ليفتح هوامش أوسع للدولة الأردنية بأن تدير شأنها العام برشاقة وقناعة، ولن يتغير شيئا، فالدولة الأردنية هي دولة قانون ومؤسسات، وقطعت مسافات على طريق الديمقراطية ممارسة وسلوكا، ومن الشعوذة أن يتم ترويج حديث الارتياب ..لأنه في حقيقته هو حديث خوف بعضهم على ما حازوا عليه من مكاسب غير مشروعة، ما كانوا سيحصلون عليها في مناخات المساءلة والقانون والنزاهة، التي نتوقع أن تدب فيها حياة جديدة بعد إجراء الانتخابات.
تحدثتم كثيرا عن ذئب سيداهم القرية، ولم نشاهد ذئبا ولا أرنبا..الدنيا تغيرت شباب ولم يعد مستساغا أو مخيفا الحديث عن الغولة وأبو رجل مسلوخة، سوى للتندر على الجاهلية الأولى والجاهلين.
تأجيل الانتخابات ليس له ما يبرره
أخبار البلد -
ما الجديد المفيد العملي الذي ستقدمه نتائج الانتخابات؟ لا جديد سوى عودة الروح إلى سوق مناكفة المعارضة التقليدية، أما على صعيد التغيير والتقدم على سلم الاصلاح السياسي، فالجديد المهم يكمن في تقدمية القانون نفسه، فهو يعتبر تتويجا لمرحلة ما من الجمود الديمقراطي، حيث تراكمت افرازات الصوت الواحد على شكل يعيق الحركة، وازدهرت منظومة أخرى من القيم الاجتماعية والسياسية التي تنحو إلى الفردية والفئوية.