يرى البعض في ما جرى في تركيا مؤخراً تمثيلية كبيرة ودامية هدفت لتصفية الحسابات والتخلص من الخصوم، أما البعض الآخر وخاصة داخل تركيا، فيصر على أن الإنقلاب إستهدف أردوغان الذي كاد أن يدفع حياته ثمناً لتحوله نحو روسيا.
و لكن المحلل السياسي بافل زاريفلين رئيس مركز ليف غومليوف، يقول إنه حصل على الكثير من التفاصيل السرية حول الانقلاب الفاشل، من مصدر تربطه به علاقات عمل منذ سنوات بعيدة وهو يعمل حالياً بصفة مستشار لدى الإستخبارات التركية.
ويؤكد زاريفلين على أن الكثير من العاملين في الدوائر الحكومية والهيئات الأمنية التركية يؤيدون التوجه نحو روسيا والتعاون مع الاتحاد الأوراسي، وشدد على أنه لا يوجد شك في أن الولايات المتحدة كانت تقف خلف الإنقلاب كما وقفت خلف كل الإنقلابات العسكرية في تركيا منذ الستينيات من القرن الماضي. "فأستاذ الصحافة و الاعلام الأردني الدكتور حسام العتوم يؤكد وجهة نظر زاريفلين فيقول؛ المحللون السياسيون في الشأن التركي اغفلوا الرابط بين الانقلاب الفاشل و حراك التيار العسكري التركي المحسوب على امريكا الذي نفذ عملية اسقاط الطائرة العسكرية الروسية سوخوي فوق الاراضي السورية سابقاً رغم إستهدافها لإرهاب داعش فقط . ثم تحرك هذا التيار من جديد لمعاقبة اوردوغان بعد اعتذاره من موسكو على إسقاط الطائرة تلك و مقتل طيارها وهو الأمر وإن كان مطلوباً لترطيب العلاقة مع روسيا إلا انه شكل ارتباكاً في القرار السيادي التركي رغم عدم صوابه".
و يقول زاريفلين إن الغرب لم يدرك أن الشعب التركي لن يقبل بمرور أي عمل غير ديمقراطي والمقصود بالغرب بالدرجة الأولى — الولايات المتحدة، وليس مستبعداً أن تكون للألمان يد في الإنقلاب أيضاً، لأنهم يضغطون في الفترة الأخيرة على أردوغان كثيراً. و خصوصاً بعد أن صادق البرلمان الألماني على قانون يعترف بإبادة الأتراك للأرمن. و ايضاً فرنسا التي اغلقت سفارتها في اسطنبول و حذّرت رعاياها قبل عدة أيام من وقوع محاولة الإنقلاب في تركيا وفقاً لتقارير و معلومات من جهات أمنية و استخباراتية تحدثت عن وجود تهديدات أمنية لم تفصح فرنسا عن تفاصيلها في حينها.
ويرى زاريفلين أن سبب غضب الغرب على أردوغان هو عدم الرضا عن تقارب تركيا مع روسيا. فقد استاءت الولايات المتحدة من إدراج تركيا لأكراد سوريا في قائمة المنظمات الارهابية، رغم أنهم ينالون دعماً أمريكياً. وأما سبب الاستياء الأوروبي فهو يكمن، في إتهام الأوروبيين لتركيا بأنها السبب في تدفق المهاجرين إلى أوروبا"
وإستناداً إلى كل ذلك، يقول زاريفلين أن التخطيط للإنقلاب بدأ في الغرب، وأن قاعدة إنجرليك الجوية الأمريكية في تركيا هي مركزه. ولا سيما أن القاعدة برئاسة الجنرال التركي بكر أرجان فان، الذي اعتقل بعد فشل المحاولة الإنقلابية مع عدد كبير من ضباط القاعدة الأتراك.ويؤكد بافل في كلامه على أن الداعية فتح الله غولن كان على علم بالمحاولة الانقلابية على الرغم من نفيه طوال الوقت. ويقول زاريفلين إن سفير الولايات المتحدة لدى تركيا جون باس (سابقاً كان في جورجيا ويعرف بالعداء لروسيا) التقى مرات عديدة بزعيم المحاولة الانقلابية أكين أوزتورك ومع بكر أرجان فان، بحجة مناقشة مسائل التعاون مع الأكراد في سوريا والعراق.
وأشار زاريفلين إلى أن غالبية ضباط الجيش التركي هم من خريجي المؤسسات التعليمية العسكرية للناتو ومن الموالين للولايات المتحدة.وقد بينت التحقيقات الأولية أن المشاركين في الانقلاب من جنود وضباط وجنرالات حصلوا على ضمانات أكيدة من القيادة العسكرية والدبلوماسية للولايات المتحدة بأنه يمكنهم اللجوء إلى القاعدة في حال فشل المحاولة.
و لكن السلطات التركية خالفت كل التوقعات و تحركت بشكل حاسم وطوقت قاعدة إنجرليك الجوية، وقطعت التيار الكهربائي عنها، وهو ما دفع الأمريكان إلى عدم التدخل في عملية الاعتقالات في الجزء التركي من القاعدة.
ويقول زاريفلين أن تركيا معرضة ان تشهد محاولات إنقلاب اخرى في المستقبل و يرى الحل لتجنبها هو تقارب روسيا وتركيا، وشدد على ضرورة عقد لقاء على مستوى القمة يجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب أردوغان و خصوصاً بعد انتشار معلومات تفيد بأن المخابرات الروسية هي التي حذرت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من إنقلاب وشيك قبل ساعات من ظهور الدبابات في شوارع إسطنبول وأنقرة يوم الجمعة الماضي. و تقول المعلومات وفقاً لمصادر في المخابرات التركية، أنه في الأسبوع الماضي اعترض الجيش الروسي الاتصالات العسكرية التركية التي أكدت على تنظيم انقلاب ضد حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هذه الاتصالات التي اعترضها الجيش الروسي تضمنت أمراً للجنود بإعتقال أو قتل الرئيس التركي في منتجع مارماريس.هذه المعلومات لو ثبت صحتها ستكون بمثابة عربون محبة و صداقة لإستئناف العلاقات الروسية التركية و التي بلا شك ستساعد على حل الكثير من المشاكل العالقة و خصوصاً القضية السورية و محاربة داعش.