اقترب موعد نتائج الثانوية، وهي ستصدر قبل الموعد المتوقع مقارنة بالسنوات السابقة، بسبب زيادة عدد المصححين ومراكزالتصحيح.. هذا ما كان قد قاله لي الزميل وليد الجلاد خلال لقاء اذاعي تم بثه الاسبوع الماضي، وهو الناطق الاعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، الذي يرقد على سرير الشفاء ..»سلامات يا وليد».
لدي سؤال ليس صعبا: كم يبلغ عدد الطلبة الذين لا يحالفهم الحظ بالنجاح في الثانوية العامة؟.. لا يمكنك أن تحظى بلقاء مع جميع هؤلاء، لكنك تستطيع التكهن بحالهم حين تلتقي بواحد أو واحدة منهم، سيقول لك:
والله جاوبت 100% بس التصحيح مش مزبوط، ظلموني، وحين تسمع مقدار النسبة التي يتحدث بها عن إجاباته تعلم أنك أمام حالة شبه مستعصية، فهو ما زال يعتقد بأنه «أشطر» طالب في التوجيهي، وبأنه مظلوم ومضطهد، والوزارة حاطيته براسها.. مراهقة وصبيانية قد تكون جميلة لو لم نكن نتحدث عن مستقبل شباب، لكنها نابعة من شعور مقيم من الضغوط الاجتماعية بسبب تلك النظرة للتوجيهي.
هم لا يحالفهم الحظ؛ فيسقطون في مساحة غير معرفة، هم تقريبا عبء على الأهل، وعلى المجتمع، وفاشلون، هكذا يعتقدون ويعتقد بعضنا، لكن لا أحد يفكر في هؤلاء، وأن احتمالا قويا يؤكد بأنهم من الممكن أن يكونوا منتجين، وناجحين، وبسبب عدم صداقتهم مع الحظ ربما يكونوا قد تحرروا من ثقافة سلبية، ترسو في أذهان الشباب والفتيات على هيئة فكرة (اللي ما معو توجيهي ما اله مستقبل) !.. فيغيبون تماما عن المشهد التنموي، ولا يفكرون سوى بإعادة الثانوية، وربما الحصول على معدل نجاح لا يؤهلهم الدخول إلى جامعة بأي تخصص، لكنهم قد يرتاحون نفسيا فقط، أما على الصعيد العملي والمستقبل فهم مبعدون!
جاءت في مكانها؛ أعني توجهات وزارة التعليم العالي بشأن منح هؤلاء شهادات دبلوم مهني، عن طريق التحاقهم بالكليات التي تمنحهم شهادات مهنية في بعض التخصصات، تؤهلهم إلى سوق العمل دون التجسير للجامعات والحصول على شهادات جامعية، الا بعد حصولهم فعلا على معدل في الثانوية العامة يؤهلهم لدخول الكليات والجامعات، لكنهم يحصلون على شهادة مهنية ربما تكون أفضل بكثير من الشهادة الجامعية بالنسبة لفرص العمل ومستوى الدخل والراتب الشهري، وهي تجربة سنخوضها في الأردن، وسوف تكون نتائجها إيجابية كما نتوقع ويتوقع التربويون، فنحن عمليا نشهد ممارسة تشبه التي تحدث عنها الدكتور وجيه عويس وزير التعليم العالي، لكن الفرق أن القطاع الخاص وعن طريق بعض المراكز والأكاديميات هو المستفيد، دون أن يقدم خريجا مؤهلا فعلا.
بعض الجهات تتصيد هؤلاء الطلبة، وتغريهم بأنهم وخلال فترة وجيزة سيحصلون على شهادات «عليا» تؤهلهم إلى أن يكونوا «مدراء مستشفيات، ومدراء مطارات، ومضيفة طيران حلوة، ومديرة فندق، ومهندس طيران..وعلماء ذرة ربما»، فيتقاضون منهم رسوما قد تبلغ 3 الاف دينار، مقابل هذه الطرفة الغريبة العجيبة التي تنطلي على الشباب، ليكتشفوا بأنهم هدروا وقتا ومالا في غير المكان..
حين تشرف وزارة التعليم العالي على مثل هذه البرامج التدريبية التعليمية،سيكون الأمر مختلفا بلا شك، فالمتوقع في هذه الحال أن ينخرط الطالب فعلا في الدراسة والبرامج التدريبية على أيدي معلمين مختصين، ويمضون وقتا محددا في هذه الكليات قد يمتد إلى ما يزيد عن عام،ويحصلون على شهادة معتمدة وقبل هذا يحصلون على معرفة ومهنة، تؤهلهم لولوج سوق العمل على الفور، دون الانتظار في صفوف البطالة سنوات، وهذا بحد ذاته تفوق، قد يشعر به هؤلاء الشباب، بعد أن يتحرروا من ثقافة الشهادة الجامعية التي تحد من قدراتهم وخياراتهم في العمل غالبا، بعد أن تم اشباع السوق والقطاع الحكومي بحملة الشهادات.. هناك خريجون في بعض التخصصات مضى أكثر من 15 عاما على تخرجهم من الجامعات ووقوفهم ضمن «طابور» الدور للحصول على وظيفة، ولو سألناهم عن السبب لهذا الضياع، سيقولون لك بأنهم أساءوا اختيار التخصص والطريق للمستقبل.
التوجه – الفكرة- الذي صدر عن وزارة التعليم العالي مهم، ويجب المضي به إلى النهاية، وبعد تخريج فوج او اثنين من الكليات الرسمية والخاصة، سنكتشف بأن هذا الطريق سليم، ويمكنه أن يحل مشكلة شباب لم يحالفهم الحظ في الثانوية، لكنهم وجدوا ضالتهم في التعليم المهني..
ربما يكون الفشل في الثانوية نجاح في الحياة وفي بناء مستقبل أفضل، فالدورة الطويلة في دوائر التعليم العالي ليست دوما إيجابية، وفيها من المشاكل ما يؤكد أن الخلل في التفكير كبير.
ارسبوا في التوجيهي احسن الكو .. قد يكون شعارا عمليا موضوعيا في المستقبل.
رسبوا في الثانوية فنجحوا في الحياة
أخبار البلد -