لقد ذكرتُ في الحلقة السابقة بأنني سأتناول الحديث حول الانتفاضة الفلسطينية الثالثة " انتفاضة القدس " لكنني آثرت في هذه الحلقة تناول ما حصل من تداعيات منذ انطلاقة الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى" و"سقوط بغداد" والاغتيالات التي جرت لرموز المقاومة والتي زادت من تمادي الصهاينة في اعتداءاتهم والتي طالت الشجر والحجر والإنسان في فلسطين خاصة اغتيال الرموز والاعتداء على المقدسات والحصار الذي يعني السجن الجماعي للسكان في قطاع غزة وكونتونات الضفة الغربية والقدس حيث سبق وأن تم اغتيال مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في مالطا الدكتور فتحي الشقاقي في العام 1999 أثناء عودته من ليبيا بأوامر مباشرة من القيادة السياسية في تل أبيب ومثلما هو معروف فقد سبق اغتيال الشقاقي محاولة لاغتيال خالد مشعل - رئيس المكتب السياسي لحركة حماس - في 25/9/1997 من ذات المجموعة التي اغتالت الشقاقي لاحقاً والتي كشف عن أمرها من قبل الحكومة الأردنية وأثارت غضب جلالة الملك الراحل الحسين رحمه الله وأجبر الصهاينة على علاجه وإطلاق سراح مؤسس حركة حماس الشيخ الشهيد أحمد ياسين.
ومثلما هو معلوم وكما تناولتً في الحلقة الماضية انطلقت الانتفاضة الثانية في العام 2000 إثر قيام شارون باقتحام المسجد الأقصى المبارك والتي امتد زخمها الشديد حتى الغزو الصهيو - أورو - أمريكي على العراق واحتلاله في العام 2003 وقد كان لهذا أثره البالغ في تأثر وهج المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث كانت قيادة العراق التي أطيح بها السند القوي لتلك المقاومة وهذا أعطى لشارون ولجيش احتلاله ولمغتصبي الأرض الفلسطينية الجرأة والنفس القوي في التمادي بالممارسات اللاإنسانية والهمجية .. حيث شهد العام 2004 أحداثاً جساماً كان من أهمها اغتيال الشيخ أحمد ياسين - مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس في هجوم صاروخي شنته الطائرات الصهيونية عليه وعلى من معه من مساعدين أثناء عودته على كرسيه المتحرك بعد أداء "صلاة الفجر" بمسجد المجمع الإسلامي القريب من منزله حيث كان الشيخ ياسين من رموز العمل الوطني الفلسطيني المهمين منذ تأسيس حركة حماس في العام 1987 وكان اغتياله في صبيحة يوم 22 /3/2004.
بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين من قبل العدو الصهيوني بايعت حركة حماس الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي خلفاً له في الداخل، وفي أول قيادة له أمر بتنفيذ عملية ميناء أشدود، فكانت هذه العملية هي الشرارة لعملية اغتياله واستشهاده، حيث قامت في مساء 17 /4/ 2004 مروحية إسرائيلية تابعة للجيش الصهيوني بإطلاق صاروخ على سيارته فاستشهد مرافقه ثم لحقه وهو على سرير المستشفى في غرفة الطوارئ.
* حصار عرفات واغتياله
بعد فشل مباحاثات كامب ديفيد وطابا بدأت الدوائر الأمريكية وأوساط من الحكومة الصهيونية وبعض السياسيين الصهاينة بالقول أن ياسر عرفات لم يعد يعتد به ولا جدوى من التفاوض معه ، في هذه الأثناء ازداد العنف والعنف المضاد ونفذت عمليات استشهادية داخل الخط الأخضر طالت التجمعات الصهيونية في القدس الغربية ومدن الساحل الفلسطيني ناتانيا وتل أبيب خاصة أسفرت عن مقتل صهاينة ورغم شجب عرفات واستنكاره الواضح لتلك العمليات بدأ رئيس الوزراء الصهيوني أرئيل شارون الذي كان على عداء تام مع أبي عمار بتحميله مسؤولية ما يحدث. في هذه الأجواء الملتهبة قام كيان الاحتلال الغاصب بمنع أبو عمار من مغادرة رام الله حيث حال ذلك دون تمكنه من حضور مؤتمر القمة العربية التي انعقدت في بيروت في 26 مارس 2002 وفي 29 مارس من نفس السنة حاصرته القوات الصهيونية داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية وهكذا بدأت حالة من المناوشات فبات الجيش الصهيوني يقتحم مناطق هنا ويطلق النار هناك ويثقب الجدار حول الرئيس بينما كان عرفات صامداً في مقره متمسكاً بمواقفه .. في تلك الفترة بدأ يتقاطر عليه في مقره بالمقاطعة مئات المتضامنين الدوليين المتعاطفين معه من شتى أنحاء الأرض في ظل عجز عربي وإسلامي كامل عن مد يد العون والمساعدة للمحاصر في المقاطعة والشعب الرابض تحت سطوة الاحتلال فتعرض الرئيس الراحل لحملة شرسة من قبل الإدارة الأمريكية والكيان العبري في سبيل إقصائه عن السلطة أو إبعاده عن مركز القرار فيها بدعوى تحميله مسؤولية ما وصلت اليه الأوضاع في أراضي السلطة الفلسطينية من تدهور، ففي يوم 24 مايو 2002 طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش تشكيل قيادة فلسطينية جديدة، وبسبب ذلك الضغط الدولي وانسداد الأفق السياسي اضطر عرفات للتنازل عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك رئيس دولة فلسطين الحالي محمود عباس ولكن الأخير سرعان ما استقال وتولى المنصب من بعده أحمد قريع.
وعودة على بدء فإن حصار الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات في مقره برام الله كان له وقعه وتداعياته كونها جاءت على إثر انطلاقة انتفاضة الأقصى ، القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة مع سلطات الاحتلال حيث أنها كانت بداية النهاية لرمز لطالما أقض مضاجع دولة الاحتلال وشكل تهديداً مباشراً لمخططاتها ومراميها ، فجيء بشارون جزار صبرا وشاتيلا رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني الغاصب والمعروف عنه أنه لا يعترف بعقود أو عهود وفي مسرحية انكشفت خيوطها ويعرفها القاصي والداني أزاحت الستار عن مخطط تآمري حاقد يقوده يمين صهيوني متطرف وغربي عفن يتساوق مع طموحات الحركة الصهيونية يفضي إلى تسهيل عملية اغتيال عرفات وتوجيه أصابع الاتهام إلى من اعتبرهم الرئيس الراحل ذات يوم حين سئل عنهم بعد إعلان تشكيل السلطة كيف يتعامل معهم وهم يتساوقون مع ما يريده الاحتلال فكان رده حينها أنهم الأوحال الذين سيعبر من خلالهم إلى بر الأمان فكانوا العقبة الكأداء أمام درب بر الأمان حيث أنهم أصبحوا الأوحال التي غاصت بها أقدام كل الأحرار من رفاق وأخوة النضال والسلاح حيث جرى من خلالهم الاعتماد صهيونياً على تنفيذ عملية الاغتيال" بالموت البطيء بالسم" واستغرقت العملية فترة من الوقت قضى إثرها شهيداً يوم 11 تشرين الأول 2004 م بعد أيام من نقله عبر العاصمة عمان إلى فرنسا دون أن يكشف التقرير الفرنسي عن السبب الحقيقي الذي أدى إلى استشهاده.
وقد اعتبرت نهاية حياة هذا الرجل بداية لمرحلة جديدة اكتنفها الغموض والتردد والعجز فلسطينياً وإقليمياً ودولياً عن مواجهة المخاطر المحدقة في الأرض المحتلة وبأمن وطننا العربي الكبير واستقراره حيث مرت سنوات حبلى بالأحداث الجسام والمآسي والأزمات تجاوز العدو الصهيوني خلالها كل حدود المعقول في اعتداءاته على الإنسان الفلسطيني والمقدسات الإسلامية منها والمسيحية خاصة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك أعقبها انتخابات رئاسية وتشريعية انتخب فيها محمود عباس رئيساً للسلطة خلفاً للرئيس الراحل وشهدت سيطرة حماس على المجلس التشريعي فرفض العدو الصهيو - أمريكي نتائج تلك الانتتخابات حيث رفضتها الولايات المتحدة الأمريكية رغم إشادة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عراب اتفاقية كامب ديفيد المصرية الصهيونية بنزاهتها ، ففرضت حصارها على الشعب العربي الفلسطيني عقاباً له على نتائج تلك الانتخابات التشريعية والتي منحت حماس وفق الدستور والديمقراطية حق تشكيل حكومة والتي جرى تشكيلها برئاسة اسماعيل هنية رئيس قائمة التغيير والإصلاح التي حصدت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية المنظمة مطلع يناير/كانون الثاني 2006 ونالت ثقة المجلس التشريعي وأصبح هنية رئيسا للحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس في فبراير/شباط 2006.. وقد أقاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 14 يونيو/حزيران 2007 بعد سيطرة كتائب الشهيد عز الدين القسام"الجناح العسكري لحركة حماس" على مراكز الأجهزة الأمنية في قطاع غزة حسماً لانفلات أمني دام شهوراً في القطاع، وقد رفض هنية هذا القرار وواصل رئاسة ما أصبح يسمى بـ "الحكومة المقالة" التي تتخذ من غزة مقراً لها. . ومنذ ذلك الحين ومحاولات رأب الصدع الفلسطيني ما زالت مستمرة وهناك جهود خيرة بذلت وما زالت تبذل إلا أنه وحتى اللحظة لم تعط هذه المحاولات أكلها في إعادة لم الشمل لفلسطينيي الداخل في الضفة والقطاع .
*اعتقال أحمد سعدات :
وعلى إثر اغتيال أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى (64 عاما) في 27/8/ 2001، بقصف مكتب للجبهة بصواريخ صهيونية كان يتواجد فيه برام الله في الضفة الغربية وباعتراف آفي بازنر المتحدث باسم رئيس الوزراء الصهيوني أرييل شارون إن "الكيان الصهيوني باغتيال أبو علي مصطفى كونه وفق وصفه أنه كان إرهابيا خطيراً و تصفيته كانت تندرج في إطار نشاط الدولة العبرية ضد أشخاص يخططون عملياً للإرهاب وعلى أثر ذلك أعلنت الجبهة أنها ستنتقم لاغتياله وفي 17/10/2001 أعلنت الجبهة عن اغتيالها لرحبعام زئيفي,.وزير السياحة الصهيوني في فندق حياة ريجنسي في القدس الشرقية انتقاماً لاغتيال أبو علي مصطفى حيث بدأ العدو الصهيوني إثرها بمطالبة السلطة الفلسطينية بتسليم أمين عام الجبهة الجديد أحمد سعدات الذي تم احتجازه في مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى أن قامت قوات صهيونية بمحاصرة المقر مطالبة بتسليمها سعدات وأربعة من رفاقه تتهمهم بالوقوف وراء عملية اغتيال زئيفي وتم عقد صفقة لفك الحصار عن مقر عرفات بإيداع سعدات ورفاقه المتهمين بتنفيذ عملية الاغتيال في سجن اريحا الفلسطيني تحت حراسة مراقبين أمريكيين وبريطانيين
حيث أن هؤلاء المراقبين انسحبوا في 14 آذار / مارس 2006 من سجن أريحا مفسحين المجال لقوة عسكرية صهيونية دخلت إلى مدينة أريحا وحاصرت السجن وبدأت بهدم أجزاء منه وبعد حصار دام 12 ساعة تم إلقاء القبض على سعدات ومجموعة من المطلوبين الفلسطينيين للقوات الإسرائيلية.
البريطانيون من جانبهم نفوا أن يكون لهم أية علاقة أو تنسيق مع تل أبيب حول الموضوع، بينما أعلن الأمريكان أنهم أرسلوا خطاباً للسلطة الفلسطينية تخبرهم بنيتهم الانسحاب متجاهلين اقتراح السلطة بنقل المساجين إلى المقاطعة في رام الله حيث أحيل سعدات للمحاكمة وصدر في 25 كانون الأول من العام 2008 حكم عليه عن المحكمة العسكرية الصهيونية في سجن عوفر بالسجن 30 عاماً..