مر حين من الدهر علينا كنا نخاف الجهر بالكتب التي نقرأها. وهنا أتحدث عن "فئة المثقفين"، أكيد كثير منهم ممن يرون "الثقافة" استعراضا سواء في المشي أو الجلوس أو الصعلكة أو ارتياد أماكن معينة.
فالمثقف في نظر هؤلاء لابد ان يقرأ الكتب الصفراء وأعني المجلدات التي ينتمون الى أصحابها . وهو لا بد أن يكون من رواد المقهى "الفلاني" وأن يستمع الى فيروز وان يشعل سيجارته بطريقة معينة ويرتدي "برنيطة" بطريقة معينة. ولا بد ان يكون "نسائيا " متعدد «العلاقات» الى آخر الصفات التي تعرفونها ويطول شرحها.
وفي زمن "الرنّات"، حيث أصبحت حياتنا كلها « رنّات». و.. قل لي ما هي « رنّتك « أقل لك من أنت!، ظهرت « موضة « رنات أغاني فيروز بشكل جعل بعض هذه الأغاني « عادية « وربما أفقدها « جمالية « معينة.
تقليديا ، كانوا يقولون ـ وأعني الفيروزيين ـ الأصليين/ اليابانيين ، مش التقليديين « /التايوانيين «: أغاني فيروز لا تُسمع الا في وقت الصباح.
وكبرنا وبقيت هذه « العقيدة « الغنائية في أفكارنا ، ولكننا اكتشفنا أنها ، فيروز ، يمكن أن تُسمع في أي وقت. المهم أن تكون في وضع يسمح لك بالتمتع بصوتها. ذلك للسحر والخصوصية التي تتميز بها أغاني « جارة القمر «.
وصباح أمس تصادف جلوسي ـ على الرّيق ـ مع إحدى الصبايا « الفيروزيات». وحين «رنّ « موبايلها ، لم تكن رنّة أغاني فيروز بل لمطرب آخر أظن إسمه « جاد « ولا أعرف « جاد إيش». لكنه أكيد مطرب محترم. وعلى الفور سألتها» ليش مش حاطة رنة فيروز»؟
قالت: والله فيروز راقية وأنا بفضّل أسمع أغانيها لما اكون لحالي مش قدّام الناس».
بصراحة، احترمتها وقلت والله فكرة يا ولد.
تذكرتُ أنني مثلا لا أضع رنة أغاني « نجاة الصغيرة « رغم أنني « بموت بصوتها « وكان نفسي أعمل معها لقاء لكن شقيقها «عز الدين» اعتذر وقال « الستّ ما بتعمل لقاءات وهي متفرغة للعبادة».
يعني لقيت ناس مثلي، بحبوا يكون لمطربهم « خصوصية « ، فكيف إذا كانت فيروز التي تعلمنا الحب من أغانيها؟
بالمناسبة ،.. «كيفك إنت ، ملا إنت»!