بين ضغط الشارع الذي يتشوق لرؤية فاسدين كبار خلف القضبان, وقانون يحدد صلاحيات هيئة مكافحة الفساد عند نقاط معينة, يعمل الرجل النظيف سميح بينو رئيس الهيئة وزملاؤه وفريق التحقيق والبحث في الهيئة بجهد مضاعف لكشف الفساد الكبير والصغير واعادة المال العام الى بيت المال.
المعادلة ليست سهلة لكنها غير مستحيلة , وحتى تتم عملية اقرار تعديل قانون الهيئة, يجري العمل بالقانون النافذ على اكمل وجه وهناك انجازات لا تنكر , لكنها غير كافية قياساً الى نسبة المبالغ التي ما تزال مسافرة مع من اختلسوها .
الفساد في بلدنا ليس سراً, بل هو اكثر الاسرار انفضاحاً وانكشافاً, لان مراقبة الناس للناس ادق واسرع من المؤسسات الرقابية , وسلوك الفاسدين يدل عليهم بسهولة , لكن الجديد في الامر هو رفع الغطاء المزعوم عن الفاسدين وانكسار حاجز الخوف من تناولهم بصوت عال.
القضية لا تنتهي عند هذا الحد اي كشف الفاسدين شعبياً, بل تتعدى ذلك الى المطالبة بتحصيل الاموال المنهوبة, فالمواطن الذي يترقب رفع اسعار المحروقات ساعة بساعة يرفض الرفع من منطلق ان اعادة المال المسروق كفيل بتغطية فروقات اسعار النفط, فلماذا يدفع من جيبه ولا تسترد مئات الملايين من جيوب السارقين ؟ وهي تكفي في حال استردادها لدفع فاتورة الطاقة كلها وليس فروقات ارتفاع الاسعار فقط .
الناس في هذا المنطق على حق , اذ لا يجوز استسهال اللجوء الى دخولهم المهدودة واستصعاب اللجوء الى ارصدة الفاسدين , حتى وان كان القانون يقتضي اتباع اجراءات تحتاج الى وقت كي يدان الفاسدون وتحصل الاموال منهم .
امس تحدث السيد سميح بينو رئيس هيئة مكافحة الفساد الى عدد من الكتاب في مقر الهيئة وكان في حديثه جملة ايجابيات وبعض السلبيات, في مقدمة الايجابيات التي ذكرها الباشا بينو عدم وجود أي نوع من انواع الضغط من أي جهة على الهيئة, وعدم وجود أي تدخل في عملها وهذا جيد , اما السلبيات فكانت في قصور القانون , بالاضافة الى نقص في الامكانات البشرية والمالية وحتى ضيق المكان وهي معيقات تعرقل عمل الهيئة بشكل او آخر .
ربما تكون هيئة مكافحة الفساد الان هي المؤسسة الاهم بالنسبة للمواطن والدولة في آن , وهي اكثر مؤسسة ترقبها العيون وتسلط عليها الاضواء, وبقدر ما يرتب هذا الوضع على الهيئة مسؤولية وضغطاً فانها تحتاج الى اسناد من الجهات الشعبية والرسمية كي تتمكن من اظهار الحقائق التي هي غايتها وغاية الشعب ايضاً, فالهيئة تحتاج الى تعاون السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بشكل استثنائي وتحتاج الى تعاون المواطنين بشكل استثنائي ايضاً, لان في نجاح الهيئة في عملها منفعة سياسية غير المنافع المالية , بالنظر الى ما يحققه تقديم الفاسدين الى العدالة من تنفيس للاحتقان الشعبي الذي تولد بسبب ممارسات هؤلاء , ما يدعو الى زيادة الاهتمام بالهيئة ودعمها , فالمماطلة والعرقلة توسع دائرة الشك في جدية الاصلاح وتوسع دائرة السخط من الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي لا يستطيع المواطن تحملها اذا ظل يشاهد الفاسدين يسرحون ويمرحون ويتنعمون باموال هي سبب معاناته .
من هنا فإن تلبية طلبات الهيئة سواء كانت مالية او لوجستية او تشريعية , يجب ان تتقدم على سواها لتتمكن من اطفاء حالة السخط الشعبي ومنع الانفجار الذي اذا ما حصل لاقدر الله ستكون كلفته عالية وسيدفعها الوطن كله لانها تهدد استقراره وتوقف تقدمه وتضعه في مربع ضيق.