«إني لأراك يا «فرجيني» وأنا متعب مكدود ما أكاد أتماسك فأنسى تعبي وشقائي ، وكأنني لم أحمل في يوم فأسا ، ولم أفلح أرضا ، وربما وقع نظري عليك وأنا على قمة الجبل وأنتِ في سفحه فيخيّل إليّ أنكِ وردة من الورود النابتة حولك إلا أنكِ أنضر منها حسناً ، وأطيب أريجاً «
هذه جملة من رواية « الفضيلة « التي ترجمها مصطفى المنفلوطي عن نص بعنوان « بول وفرجيني» للفرنسي برنارديين بيير وكتبها عام 1788 وقرأناها في المرحلة الثانوية وكنا نحفظ مقاطع منها وبخاصة وهي تعد من أعذب الأدب الانساني والرومانسي.
وفي زمن تغيرت فيه المبادىء فصارت « الخيانة « مجرد « وجهة نظر « و « الانحراف الأخلاقي والسياسي» شطارة وبُعد نظر. وهنا لا فرق بين ما نسمعه عن الفنانين والنجوم وبين السياسيين . فالكل يريد أن « يغطي الشمس بغربال» و يقنعنا بأن «البطيخ» « أناناس» و» القرع» « مرتديلا» وانهما من ذات الفصيلة. فتسمع نجمة تظهر في شريط مخل بالآداب وتدافع عن سلوكها باعتباره ـ طبيعيا ـ، بل وتزيد في ذلك وتظهر على غلاف إحدى المجلات بالملابس الداخلية وكأنها تقول للناس : اللي مش عاجبه يشرب من البحر.
ومثلها كثيرات وكثيرون . سياسيون ونجوم في مختلف المجالات، يدافعون عن « الرذيلة « ويريدون إقناعنا أنها « فضيلة « متسلحين إما بتعاطف بعض الناس معهم او بما ملكوا من سلطان ونفوذ وجماهيرية.
وللأسف ، فإن شبابنا يتأثرون بتلك الهالة الإعلامية ويصدقون ما يرون ويقلدونهم في « السلبيات « ولا يجد الاهل أمام ذلك الا خيارين « إما التبرأ من هكذا أبناء، أو التعرض لجلطة والموت بسكتة قلبية «.
تخيلوا المشهد التالي في رواية « الفضيلة « إن كان يمكن أن يحدث في زماننا:
..». واشتدت العاصفة خلال الليل وجنحت السفينة الى منطقة صخرية بعد ان تمزقت اشرعتها فتحطمت قرب الشاطىء على مرأى من أبناء الجزيرة, وكان «بول» من أشد المتحمسين لأنقاذ السفينة التي تحمل حبيبته العائدة اليه وقد حاول المستحيل للوصول اليها دون جدوى. وحاول أحد البحارة أن ينقذها قبل لحظات معدودة من غرق السفينه وطلب اليها ان تخلع ثوبها ليحملها على ظهره الى الشاطىء قبل ان يرمي نفسه بالماء لكنها رفضت ان يضمها عارية الى جسمة. فصاح الناس من كل جانب : انقذها ، انقذها !!! لكن موجة هائلة ضربت السفينة فأوقعت البحار في الماء ، فأغمض الناس عيونهم خوفا ،ثم نظروا الى السفينه من جديد ،فإذا كل شيء قد انقضى.......
أما «بول» فقد اصابه مايشبه الجنون وقضى أيامه الاخيره شريدا هائما مستوحشا الى ان اهتدى الى قبر «فرجيني» بعد ثمانية ايام فقط فودع حياته هناك ليلتحق بها حيث تعيش في علياء سمائها. «
فعلا « اللي استحوا .. ماتوا»!!.