في يوم «النكسة» لن أتحدث عنها، كما هو مألوف، سأستذكر معكم يوما من أيام الانتصارات المجيدة، التي قلما تذكر، بل ما يذكر على نحو مستمر، إطلاق الشتائم على العرب والمسلمين، من ألسنة وأقلام ابناء هذه الأمة، باعتبار أننا أمة مهزومة مأزومة، تاريخا يخلو من أي نقطة مشرفة أو مضيئة، ونسي من اختط هذا النهج، ما جاء في الأثر: من قال هلك الناس، كان أهلكهم، ونحن لسنا منهم، ولن ننحو منحاهم، فنحن أمة عظيمة، كنا ولم نزل، وما الحفرة التي وقعنا بها، إلا مما يمر بحياة الأمم، من أيام سوداء وأخرى بيضا، وهذا هو منطق التاريخ!
كلنا نسمع بنابليون، إمبراطور فرنسا الشهير، حينما جاء إلى فلسطين، أرض «النكسة» مرغ أنفه بالتراب، وردته أسوار عكا مذموما مدحورا مقهورا، ولم يكن يرى في استباحتها إلا نزهة عابرة، لا تستحق منه وقفة!
«لو عكا خايفة من هدير البحر، ما وقفتش ع الشط» ولم تكن عكا ويافا والرملة والناصرة، وسواها من حواضر فلسطين لتهزم أمام قطعان الصهاينة، لو ترك الأمر لأهل البلاد، ومن يوالونهم من خيار الناس، من محبي الأرض المقدسة، وفي قصة نابليون، وأحمد باشا الجزار، عبرة لمن اعتبر!
وصل نابليون إلى مدينة عكا في 18 مارس 1799م. وكان لا بد من احتلال هذه المدينة لكي يستطيع الاستمرار في حملته شمالاً إلى الشام حيث كانت مدينة عكا تحتل موقعاً استراتيجياً مهماً. كان نابليون الذي كسب معاركه في مصر وفلسطين حتى الآن في يسر ودون صعوبة، بعد أن ارتكب المذابح التي يندى لها جبين الإنسانية، متأكداً أن هذه المدينة لن تصمد أمامه أكثر من يومين اثنين، لذا بادر إلى إرسال رسالة ملؤها الكبرياء والعجرفة إلى القائد العثماني الهرم احمد باشا الجزار، قال فيها: «إنني الآن أمام قلاع عكا ولن يكسبني قتل شخص هرم مثلك شيئاً... لذا فأنا لا أرغب في الدخول معكم في معركة... كن صديقاً وسلم هذه المدينة دون إراقة الدماء». ولم يتأخر جواب القائد العثماني.. ولكنه لم يكن الجواب الذي توقعه نابليون. قال القائد العثماني أحمد باشا الجزار في رسالته الجوابية: نحمد الله تعالى لكوننا قادرين على حمل السلاح وقادرين على الدفاع... إنني أنوي أن أقضي الأيام القليلة الباقية من عمري في الجهاد ضد الكفار. عندما تسلم نابليون هذا الجواب الذي قطع أمله في الدخول إلى المدينة ظافراً دون قتال التفت إلى ضباطه وقال لهم بضيق ونفاد صبر: لقد أصبح من الواضح الآن أن هذا الشيخ الهرم سيكون سبباً في ضياع بضعة أيام منا ولكن لا بأس لا تقلقوا سنكون بعد يومين في وسط هذه المدينة... سنلقنهم درساً لن ينسوه !
في اليوم الثاني19 مارس 1799 بدأت المعركة وبدأت المدافع الفرنسية تصب حممها على قلاع المدينة وأسوارها. وأبدت الحامية العثمانية شجاعة فائقة في القتال على الرغم من تفوق الجيش الفرنسي من ناحية العدد والأعتدة الحربية. وفي الأثناء واصل الأسطول العثماني إمداد المدينة. مرت الأيام والأسابيع والمعركة الضروس قائمة والمدينة صامدة صمود الأبطال، وبعث نابليون ضابطا يحمل رسالة شفوية الى احمد باشا الجزار وملخصها أنه لا فائدة من المقاومة وأنه من الأفضل الاتفاق على شروط جيدة للصلح لإنهاء المزيد من سفك الدماء لذا فإن القائد الفرنسي سيقبل بخروج القائد العثماني وخروج حاميته كذلك مع جميع أسلحتهم دون أن يتعرض لهم أحد ويسمح لهم بالتوجه إلى المكان الذي يريدونه مقابل إنهاء المقاومة. وكان جواب أحمد باشا الجزار: لم تقم الدولة العلية العثمانية بتعييني وزيراً وقائداً لكي أقوم بتسليم هذه المدينة إليكم، إنني أحمد باشا الجزار لن أسلم لكم شبراً من هذه المدينة حتى أبلغ مرتبة الشهادة، ومرت الأيام والأسابيع على هذا المنوال... وبدأ اليأس يستولي على الجانب الفرنسي لأن خسائره كانت تزداد على الدوام حتى كادت تأكل نصف الجنود. وأخيراً وبعد 64 يوماً من الحصار الشديد والقتال الدامي قرر نابليون في 21 مايو العام 1799م فك الحصار وانسحب معلنا أنه هُزم من قبل قائد عثماني هرم في السبعين من عمره!
وكانت هذه هي المعركة البرية الوحيدة التي خسرها نابليون حتى ذلك اليوم. !!
هذه هي عكا، وهذا هو «الاستعمار العثماني» ولن أزيد!
شيخ سبعيني يذل نابليون!
أخبار البلد -