اخبار البلد - يمرّ الأردن بحالة غريبة من الحراك اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. كل شيء يتحرك مدفوعا بالمناخ العام، لكن لحسابه الخاص.
أشير إلى المطالبات القطاعية التي تندفع إلى أقصى الأشكال الاحتجاجية الضاغطة، مثل الاعتصامات أو الإضرابات على غرار إضراب الأطباء المستمر منذ ما يقرب الشهر، وقطاعات أخرى تهدد بالإضراب وتعطي إنذارات نهائية، وأشير أيضا إلى الحراك السياسي والاجتماعي الذي لا يتوحد حول مطلب محدد مشترك وجامع.
قد يكون أساس الظاهرة أن الشعب يريد التغيير لكن ليس تغيير النظام. وهكذا تندفع كل فئة لما يخصّها وتراه مباشرة أمامها. المعلمون يندفعون من أجل نقابة لهم، والأطباء يريدون نظاما خاصّا لهم، وأهالي قرى إربد التي يمر بها الحزام الدائري يعتصمون فوق الأرض للحصول على تعويضات من دون خصم "الربع القانوني". وعلى "الفيسبوك" تدور رحى معركة بيئية حول غابة برقش حيث ستقوم كلية أركان للجيش (ألا يمكن تأجيلها في هذه الظروف؟!).
والمشكلة أن الحراك المطلبي -القطاعي- الاقتصادي المدعوم بالمناخ العام للثورات العربية يأتي في أسوأ فترة اقتصادية. إذ فوق المديونية الضخمة والعجز الابتدائي المرتفع للموازنة، يأتي ارتفاع أسعار البترول ليضاعف العجز، وهناك كلفة شهرية هائلة تشكل وحدها مصدر تهديد خطير، بينما الحكومة تخشى أن تقوم بأي رفع جديد للأسعار. والحكومة التي يترتب عليها تدبير مبالغ لا تملكها لردم الفجوة المتصاعدة مع أسعار البترول، فضلا عن انقطاعات الغاز المصري أيضا، تواجه مطالب بمئات الملايين المترتبة على إعادة هيكلة رواتب القطاع العام، ومطالب ملحة أخرى مثل الرواتب المتدنية لقدامى المتقاعدين ودعم الجامعات التي لم تعد أقساطها تحتمل، ومستحقات قطاع المقاولات وغير ذلك الكثير.
لا يُحسد أبدا من هو في موقع المسؤولية الحكومية هذه الأيام. وأضيف أيضا: لا يُحسد النواب الذين يواجهون ضغوطا لا تحتمل من العدد الهائل من الخريجين وغير الخريجين الذين يبحثون يائسين عن أي وظيفة. ويتساءل المرء ما عسى أن تفعل لجنة الحوار الاقتصادي، ومن ينتظر منها حلولا أو أفكارا وتصورات للمستقبل ونحن تحت ضغط اللحظة الراهنة التي يمكن اختصارها بعبارة واحدة أننا نحتاج إلى بليون من الدنانير لسدّ فجوة هذه الشهور فقط من فاتورة النفط؟
يمكن وضع الحق على الفساد والهدر وسوء الإدارة، لكن كم من المال يمكن أن نسترد من مكافحة الفساد؟ وكم يمكن أن نوفر من الترشيد؟ واقعيا لا أعرف سوى حل واحد الآن هو الحصول على مساعدات عاجلة من الأشقاء، أمّا السياسات الاقتصادية ومكافحة الفساد والامتيازات فهي لضمان المستقبل وليس للخروج من المأزق الحالي، وحتّى الإصلاح السياسي هو حلّ للمستقبل مع فارق أنه لا يتطلب مالا بل توفر الإرادة السياسة فقط.