الديمقراطية في جوهرها عملية حيّة نمارسها جميعاً، مواطنين ودولة, وفي الأردن، شكَّل الدستور أساس الحياة السياسية والديمقراطية الذي طالما وفر إطاراً تنظيمياً لقراراتنا وخياراتنا على مدى تسعين عاما, وهذا هو الأساس، لكن لا بد أن تستمر المؤسسات والقوانين بالتطور والارتقاء نحو الأفضل, لقد حققنا بالفعل تقدماً مشهوداً على هذا الطريق في السنوات الأخيرة، إذ قادت التعديلات الدستورية التي شملت ثلث الدستور إلى تعزيز الفصل والتوازن بين السلطات، ورسّخت استقلال القضاء، وصّون حقوق المواطن, كما تم إنشاء محكمة دستورية، وهيئة مستقلة للانتخاب, وهذه الانجازات تهدف إلى تمكين شعبنا الأردني من رسم مستقبل الوطن بشفافية وعدالة وبمشاركة الجميع.
الساحة الأردنية كساحات معظم بلدان العالم, تشهد اختيار من قبل (الدولة) للحكومة وأعضاؤها, واختيار من قبل (المواطن) لأعضاء مجالس النواب بين الفينة والأخرى, والمراقب لهذه الساحة الأردنية المحترمة ومنذ عدة سنوات سيجد أن هناك إبداع وإخفاق في الاختيار الصحيح, إبداع من قبل الدولة في اختيار رؤساء الوزراء والفريق الوزاري, وإخفاق من قبل المواطن إلى حد ما في اختيار بعض أعضاء مجالس النواب.
اعتقد أن نجاح الدولة في اختيار رئيس الوزراء له عراقته في الأردن, فقد شهد الأردن ومنذ تأسيس الدولة شهد نجاحات واضحة في مثل هذا الاختيار, ويبدو أن سر النجاح في هذا الاختيار يكمن في اختيار(الشخصية المتوازنة) بمعناها الشمولي, وهذا الأمر ليس سهلا وقد احتاج من المعنيين جهدا عاليا في ذلك, ولا ننكر أن هذا النجاح كان يلحق به دوما نجاحات أخرى هو اختيار الفريق الوزاري التابع لرئيس الوزراء, وان كان هناك بعض الحالات التي لا يقاس عليها, حيث كان يعالج الأمر من خلال ما يسمى بالتعديل الوزاري المحدود وقتها.
للأسف الشديد فان البعض منا كان يصدر حكما على شخص رؤساء الوزراء السابقين, أو على فريقهم الوزاري من خلال تأثر وتعطل مصالحهم الضيقة والخاصة بهم, فيطلقون آرائهم غير الموضوعية على هؤلاء الأشخاص دون منطق أو موضوعية, وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد أطلق البعض مؤخرا وللأسف الشديد بعض الأحكام غير المسئولة على دولة الدكتور عبد الله النسور(أبو زهير), في الوقت الذي شهد له جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم وأصحاب الرأي الراجح في أردننا الحبيب بالشجاعة والقوة, وانه والهاء تعود على أبو زهير كان عونا لجلالته في وضع الأردن على شاطئ الأمان, في الوقت التي تعيش فيه دول الجوار اشد المصائب والمحن والاضطرابات.
وكأي أردني يحق لي أن أقول كلمة حق في اختيار مجالس النواب من قبل المواطن الأردني الطيب, فأنني أقول ما زال هناك إخفاق واضح المعالم في اختيار (بعض) أعضاء مجالس النواب في الانتخابات الماضية من قبل بعض المواطنين, والذي ينعكس سلبا على مجمل عمل هذه المجالس, وقد لاحظنا ذلك جليا من خلال ممارسات (البعض) غير المسئولة تحت القبة أو حتى خارجها,..أنا كغيري افهم أن النائب يجب يحمل (هموم) مجموعة أشخاص في وطن, وليس (هم) فرد واحد في وطن,..نعم لقد اخطأ البعض منا كمواطنين في الاختيار الصحيح لبعض النواب, وبعد ذلك جلسنا نضرب الكف بالكف منتقدين الحكومة والدولة على ذلك, والأولى بنا أن ننتقد أنفسنا كمواطنين على سوء هذا الاختيار غير الصحيح, مع يقيننا أن هناك نوابا قد تم اختيارهم اختيارا صحيحا, وقد شهد لهم الجميع بالعطاء.
ونحن على مسافة ليست ببعيدة من الانتخابات النيابية القادمة علينا كمواطنين أن نقرأ واقع الحال بتمعن, وان نكون جريئين في الاختيار الصحيح عند اختيار مجالسنا النيابية, واضعين مصلحة الوطن فوق كل مصلحة, آملين أن يكون شعار الانتخابات النيابية القادمة هو (أنا سأختار الأكفأ) لا شيء غير الأكفأ, بغض النظر عن أي شيء آخر,..وان معادلة الإصلاح والتطوير والنهوض في جميع مجالات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب حكومة ومجلس نواب لديهم كفاءة عالية متمثلة (بالقوة والأمانة), وهذا يتطلب حسن الاختيار الصحيح فقط,..كيف لا وقد قالت إحداهما بعد موافقة أختها لها في الرأي, قالت(يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين), فالقوة ترجع إلى الشجاعة والقدرة على تنفيذ القوانين على الجميع, في حين أن الأمانة ترجع إلى خشية الله ومخافته في حمل الأمانة والمحافظة عليها,..بمعنى الاختيار وفق معيار الأكثر كفاءة, وهذا هو الاختيار الصحيح.