أخبار البلد - الدستور في أي دولة هو أسمى القوانين الوضعية فيها و ذلك استناداً إلى النظرية الفقهية ( سمو الدساتير ) و عملية انتهاك الدستور و تجاوزه تشكل خللاً أساسياً في الدول التي تمارس التجاوز . هذه العملية التي تتجلى في بلادنا بعدة صور منها عدم تفعيل بعض مواد الدستور و جعلها شعاراً أجوف نباهي به الآخرين دون أن نطبقه ، و منها تفسيره اعتباطياً و جعله مجالاً للإجتهاد متجاهلين القاعدة الفقهية أنه ( لا اجتهاد في مورد النص ) . و منها إجراء تعديلات لا مبرر لها سوى إعطاء فرصة جديدة للسلطة التنفيذية كي تتغول على بقية السلطات ، و هناك صورة بدأنا نلمس تشويهها يسميها البعض بأدبيات الدستور التي لا يجوز الخروج عليها من خلال مبدأ القياس كأن تتقدم الحكومة بقانون الموازنة إلى مجلس الأمة الذي إذا أقرها سارت عليها الحكومة و إذا رُدت الموازنة من قبل مجلس الأمة فإن الأدبية الدستورية تحتم على الحكومة أن تقدم استقالتها و هذا ما جرى عليه العرف سابقاً ، لنخلص من هذا الموضوع و نقيس عليه على أساس أن أية جهة تتقدم لمجلس الأمة بقانون أن تقدم استقالتها عندما يُرد هذا القانون ، فما بال رجال القانون حينما تتقدم إحدى لجان الحوار بمشروع قانون أو تعديل الدستور لا يوافق عليه مجلس الأمة و المصيبة الكبرى تكون عندما يعين أحد أعضاء لجان الحوار من بين أعضاء مجلس الأمة سواء كان العضو المعين رئيس للأعيان أو للنواب أو عضو في أحد المجلسين . باعتقادي أن أدبيات الدستور الأردني تفرض على عضو مجلس الأعيان أو النواب الذي رد مجلس الأمة مشروع القانون أو التعديل الذي ساهم به أن يقدم استقالته أسوة بما يحصل مع الحكومة التي يرُد قانون الموازنة الذي تتقدم به .
و عودةً للموضوع فإن نغمة تشكيل لجان الحوارات السياسية أو الإقتصادية أو مراجعة الدستور سلاح ذو حدين حده الأول عند اختيار أعضاء اللجان التي من المفترض أن لا يكون الهدف منها الوجاهة أو تحقيق مصالح أو استرضاء أو تجاوز على أدبيات الدستور و القوانين فإن كانت هذه اللجان تراعي ما ذكر و تختار أصحاب الإختصاص في جميع أنحاء المملكة ( بما فيها عمان الغربية ) مع التركيز على رجال القانون المطلعين على كل القوانين و الأنظمة عند البحث في تعديلات دستورية أو في إصدار قوانين تستوجبها الأوضاع العامة خاصة الناظمة للحريات أو الإقتصادية منها على أن يكون الأعضاء منزهين عن المصالح الشخصية أو مصالح فئات معينة من المستثمرين من مختلف القطاعات ابتداءً من رجال الأعمال و مروراً بالشركات و البنوك و غرف الصناعة و التجارة و انتهاءً بالمستثمرين الوطنيين الذين عليهم مسؤولية وطنية في التضحية بجزء من أرباحهم لصالح الدولة التي رعتهم و يسرت لهم سبل الربح و النجاح . و على سبيل المثال من باب الإنتماء على البنوك أن تساهم مع الدولة في معالجة الفقر و البطالة باقتطاعها 20% من أرباحها السنوية بعد دفع الضرائب و وضع هذه الإقتطاعات في صندوق يسمى صندوق الدعم الوطني لتساعد تلك البنوك أو الشركات الحكومة في دعمها لبعض المواد الأساسية التي تدعمها الدولة . أو تساهم شركات الإتصالات باقتطاع دينار واحد شهرياً من كل اشتراك في الهواتف النقالة على أن لا يحسب على المواطن الذي احتُسبت عليه ضريبة المبيعات على بطاقات الشحن و زادتها تلك الشركات على ثمن البطاقة من جيب المواطن لا من جيوب أصحاب الشركات .
و خلاصة القول لا بد من الإشارة إلى أن وجود هذه اللجان الحوارية و إشراك بعض أعضاء مجلس الأمة بعضويتها هو تهميش لدور مجلس الأمة مثلما هو إعلان حكومي بعجز الحكومة عن إيجاد الحلول المناسبة للخروج من الأزمة الإقتصادية بأقل الأضرار أو كما يقال من الأمثلة الأردنية القديمة التي كانت تقول إذا أردت أن تميت موضوع أحله إلى لجان . مشيراً بهذه المناسبة إلى أن (76) عضو في مجلس النواب الحالي قد تقدموا منذ أشهر بطلب إلى الحكومة لإصدار قانون الكسب غير المشروع و الموجود في أدراج مجلس الأمة منذ أواخر القرن الماضي و استُعيض عنه بقانون إشهار الذمة الذي لم يفعل و لم يطبق تطبيقاً سليماً منذ صدوره سنة 2006 حيث لم يأتي أكله و لو بفاسد واحد مذكراً الحكومة بالمثل العامي ( لا تتعلموا البيطرة بحمير النور ) و مذكراً مجلس النواب بما قاله زملاؤهم من أعضاء المجلس التشريعي الأردني الأول سنة 1930 عند بحث قضية الموظفين غير الأردنيين و استبدالهم بأبناء البلاد حيث جاء على لسان المرحومين شمس الدين سامي و عطاالله السحيمات و ارفيفان المجالي و نجيب الشريدة (( حقاً إننا نوائب على هذه الأمة و لسنا نواباً لها )) .
حمى الله الأردن و الأردنيين و إن غداً لناظره قريب .