أعذروا النعامة، فهي مجرد طائر ثقيل لا يطير..
ولا تعذروا العرب؛ فإنهم أمة جعلوا من أنفسهم مهزلة للتاريخ ولشعوبه الحية، وأضحوكة ودمية وطريدة مسالمة لقوى الاستعمار والاستحمار، وتورطت قياداتها بالعمالة تارة وبالنعامية تارات، فأصبح الانقياد منظومة من مذاهب سياسية عربية، ليس على الشعوب سوى اختيار الأنسب من بينها، لتحيا ليوم آخر، لكن «الأنسب» دوما ما يكون مغموسا بالذل والخديعة والسير إلى المذبح بنفس راضية..
ليبرمان؛ اليهودي المتطرف، الذي هدد يوما بضرب السد العالي المصري، والذي يدعو إلى «ترانسفير» للفلسطينيين إلى خارج «دولة اليهود»، ويفضل أن يكون «ترانسفيرا» إلى الجحيم، أصبح هذا العنصري المتطرف وزير حرب في أكثر الحكومات الاسرائيلية تطرفا منذ نشأة الكيان العنصري المحتل لأراضي شعب آخر.
و ترامب؛ الأمريكي العنصري، الذي ابتدأ تقديم نفسه كمرشح للبيت الأبيض خلفا لأوباما بالحديث العنصري ضد المسلمين، بمنعهم من دخول أمريكا، أصبح المرشح الجمهوري الأوحد للفوز بالسباق إلى البيت الأبيض، وعبر أمس الأول عن سعادته بأن الأمر تم بسرعة وتجاوز «العتبة» المؤهلة جمهوريا لهذا السباق ..
علاوة على حقيقة تفيد بأن الشعب الفلسطيني سيكون أكبر هدف للرجلين، بتصفية قضيته، هناك هدف كبير آخر لهما، فبعد أن تم تدمير أكبر القوى العربية الواعدة، وتعزيز التقسيمات الإثنية والطائفية والعرقية، واشتعال حروبها بين العرب، لم يبق أمام هذين الرجلين سوى زاوية واحدة مطلوب تعتيمها، لتغرق كل الأمة والمنطقة بالظلام، ألا وهي منطقة الخليج العربي، والسعودية تحديدا ..
السعودية قرأت الواقع مبكرا، وبنت استراتيجيتها لمواجهته، حين قفزت إلى الأمام، وعقدت العزم بالحسم، واللعب في النور، واتخذت منظومة قرارات «الحزم»، في اليمن، وفي سوريا: والعراق، وفي التدخل الايراني، و»حزم» في الاقتصاد، ورغم هذا الموقف الخليجي فإن المواجهة لا محالة ستكون بين دول الخليج وأمري كا واسرائيل وايران وسائر الأتباع..
ليبرمان؛ سيحسم بدوره حالة الغزل « العربي – الاسرائيلي» المتبادل، والذي من تجلياته السخيفة الحديث عن سلام مع اسرائيل في مثل هذا الوقت، ويبدو أن الظروف مهيأة تماما لسايكس – بيكو جديدة، يتم الاعلان عنها أو الاعتراف بها، بعد أن تترسخ على الأرض، التي تتهيأ لحروب طائفية أكثر صراحة، حيث سيكون هناك جبهة صريحة لما نسميه اليوم ارهابا، فهو سرعان ما يصبح يمثل المعسكر السني حسب أدبيات الحروب الطائفية الموضبة .. وسوف تتم «دعشنة» دول عربية بعد زوال خطر «داعش» الافتراضي في سوريا والعراق.
الحكومات العربية المتهالكة والواقعة تحت منظومة تهديدات خطيرة، لا تملك أن تفعل شيئا لمواجهة القادم، حتى المناورة السياسية وشراء الوقت وترحيل الأزمات السياسية لن يفيدها في شيء، وكل المعطيات تشير إلى ضرورة التوافق والتصالح مع الذات، قبل دخول معترك المرحلة الخطيرة القادمة..
خطاب «العقلانية» في مثل هذا الوضع، ربما يكون المصطلح البديل للعمالة، وليس لكم سوى الصدق مع شعوبكم، فليبرمان أمامكم وترامب من خلفكم...