أعجبني تعبير سمعته ذات مرة تعليقا على مداخلة أحد المتحدثين في جلسة أثيرت خلالها الكثير من قضايا التعليم في بلدنا، حين جعل المتحدث المدارس والجامعات المحور الوحيد للحياة العامة، وكاد يحملها مسؤولية الأخطاء والمشاكل جميعها، فكان تعليق أحد الحاضرين «ذلك إطلاق خلف خطوط العدو» أي أن الكلام قد تجاوز أكثر من اللازم ، فلم يصب الهدف !
ثمة مسافة بعيدة أحيانا بين الواقع والمأمول ، وبين الوظيفة الرئيسة لمؤسسات التعليم وما يمكن أن يرتبط بالتعليم من قيم ومثل عليا وثقافة وطنية ، ومن هذه الزاوية يمكن الحديث عن دور تلك المؤسسات في ترسيخ مفهوم المواطنة الصالحة ، وهنا يكثر النقاش حول ما إذا كانت المواطنة تدرس وتعلم ، أو أنها موقف يعبر عنه المواطن تبعا للعوامل التي تصنع موقفه ، والأهم من ذلك ما هو المعيار الحقيقي لقياس درجة المواطنة لدى أفراد المجتمع ؟
لقد حضرت وشاركت في ثلاث مناسبات جامعية مؤخرا، واحدة بمناسبة الاحتفالات الوطنية بمئوية الثورة العربية الكبرى، والثانية بمناسبة أسبوع القدس، والثالثة بمناسبة عيد الاستقلال ، ورأيت ولمست بعقلي ومشاعري أن رغبة الطلبة جامحة للتعبير عن انتمائهم الوطني، وفهمهم للمبادئ التي قام عليها بلدهم ، ولصموده في وجه التحديات والتهديدات الخارجية ، وكان ذلك بفضل تحملهم كل الأعباء التي تحملها وطنهم العزيز عليهم.
ورأيت دموع الطلبة متأثرين بمشهد مسرحي أداه زملاؤهم عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي ، وكيف عبروا عن تضامنهم القوي ، وايمانهم بالوحدة الوطنية ، ووعيهم تجاه قضية بلدهم الأولى ، قضية فلسطين ، ورأيتهم أنفسهم مرة أخرى وهم يشعرون بالفخر والاعتزاز باستقلال بلدهم ، فأدركت أن عناصر الوطنية الأردنية تتشكل من وطنية قومية لا مثيل لها في أي مكان آخر.
فهل يمكنني القول إن هموم الإنسان الأردني تتجاوز همه الشخصي إلى هموم الوطن والأمة ؟ للنظر كيف عايش الأردنيون مأساة شعوب عربية ، وكيف يهتمون بأدق التفاصيل ويتخذون موقفا من كل ما يجري في وطنهم العربي الكبير ، ولذلك أقول جازما لسنا بحاجة لتعليم الوطنية كما لو كانت مساقا تدريسيا ، وذلك لا يعني عدم الاهتمام بكل ما يجب أن يعرفه الطالب عن تاريخ بلده ، وقيمة الدولة التي ينتمي إليها وعناصر القوة في نظامه السياسي ، وتكوينه الاجتماعي والاقتصادي.
أعتقد بأننا بحاجة إلى توجيه وتوظيف الوطنية الأردنية نحو مفاهيم المواطنة الصالحة التي تعطي الشعور بالأهمية والدور الفاعل لكل فرد مهما كان عمره أو عمله ، وتلك مسؤولية مشتركة تحملها القطاعات جميعها، ومنها قطاع التعليم !