إن أدب الأمم هو أحد المرايا التي تعكس أخلاقياتها ومنطلقاتها الحضارية ومفاهيمها القيمية ،حيث تتداخل المنظومات الأخلاقية والإجتماعية معا ،لتصنع للأمة وهجا مؤثرا ومنيرا لمسيرتها الحضارية المتميزة بين الامم.
ولاننا امة محمد صلى الله عليه وسلم ،فإننا مطالبون بتقديم أدبنا وثقافتنا الإسلامية المتميّزة بالبصمة النقيّة والسمة الاخلاقية الرّاقية ،التي تترفع عن مفاهيم الجاهليّة بكل معانيها الأدبية والإجتماعية والسلوكية وحتى اللفظيّة ، حيث تعتبر الكلمة مدخلا لمعرفة انتماءالاديب العقائدي والفكري، وبالتالي قدرته على التأثير السلبي او الإيجابي في مسيرة الامة الثقافية
لقد درجنا على تلقي الشعر والأدب والثقافة ،سواء منها ماكان في العصر الجاهلي ،او ماجاء بعده من الحقب الإسلامية المختلفة ، وكذلك الادب الغربي بكل ألوانه ومصادره ومنابعه وعصوره المتعاقبة، أضف إلى ذلك السير الذاتية ،وتاريخ الآداب واتجاهاتها ،دون ان نسأل انفسنا عن مدى جدوى هذه الثقافة أو تلك ،او صدق هذه المعلومة الأدبية أو تلك ، بل كثيرا ما تلقى القاريء العربي ما تلقنه إياه المدرسة أو الجامعة أو حتى وسائل الإعلام المختلفة كمسلّمات ،لا تحتمل التشكيك ،او ربما لم يخطر ببال الكثيرين ، أن كثيرا من هذه الأدبيات والثقافات ،بحاجة الى مراجعة وتصحيح وتنبيه إلى مخالفتها للشرع او القيم الاخلاقية الإسلامية
ألحّ على خاطري هذا الموضوع بعد ان حضرت مناقشة ابنتي لرسالة الماجستير في اللغة العربية وموضوعها حول التأثّر والتأثير بين شعر الغزل العذري والأدب الصوفي ،وخلال المناقشة طرح الدكتور الفاضل مخيمر صالح -الاديب الغني عن التعريف _سؤالا للباحثة قال فيه :هل يعتبر شعر الغزل العذري امتدادا للشعر الجاهلي ؟وهل كل تلك القصائد التي ملأت الدنيا وشغلت الناس تندرج ضمن الشعر العفيف ؟
وبالطبع كان هناك الكثير من الأسئلة التي تشمل الفكرة والمضمون ،والاسلوب، وبنية القصيدة ،ووحدة الموضوع ،والقيم الأخلاقية ،وهذه الأخيرة هي التي استوقفتني مليّاوجعلتني اتساءل ،هل استطاع الشاعر العذري الذي اعتنق الإسلام عقيدة وشعائر وأخلاق ،أن ينقّي قصيدته ويخلّصها من تلك المصطلحات الجاهلية التي تدور في خيال الشاعر فتشتطّ به وتلقي به في متاهات الغيّ ،وأودية الهيمان،فإذا هو يقول دون وازع من إيمان (0أراني إذا صليت يممت نحوها ) ؟
وهل يندرج الشعر العذري ذو العبارات المكشوفة والدعوات الصريحة للانحلال الخلقي ،والانعتاق الواضح من القيم والثوابت الأخلاقية ، وتعدّي الحدود المرعية بين الرجل والمرأة ،هل يندرج هذا الشعر ضمن الأدب الإسلامي او ضمن الشعر الطاهر العفيف ؟
واعود إلى ذلك التساؤل الطيّب الذي وجّهه الدكتور مخيمر في المناقشة قائلا:هل يمكننا اعتبار شعر عمر بن أبي ربيعة بكل ما فيه من الانحلال الخلقي شعرا عذريّا طاهرا عفيفا ؟
إن ماعرفناه خلال مراحلنا الدراسية المختلفة ،وما قدمته لنا مصادر التعليم المدرسية ،كان يعطي هذا الانطباع الموحي ببراءة ونقاء اخلاقيات تعابير الشعر العذري ،حتى صار هذا المعنى مرادفا للعفة والاخلاق الكريمة والتضحية وما الى ذلك من صفات ليس كلها صحيحة ،وهي مفاهيم لم يدركها الكثيرون( ماعدا المتخصصون في اللغة والادب ) الا بجهدهم وقراءاتهم الخاصة
حقّا إننا بحاجة الى مراجعات ادبية وثقافية بسيطة وسهلة الفهم ،وواضحة المصطلحات ،لكي يفهمها كل دارس أو متابع لأدب الامة على مرّ العصور ،كي لا نبقى في دائرة الخطأ الأدبي والثقافي ،
واذا اتفقنا على أن الادب هو أحد الركائز التي تقوم عليها حضارة الأمة ووزنها الثقافي ،وأنّه واحد من ميادين صياغة الشخصية المسلمة المتميزة بالخلق القويم والمشاعر الطاهرة ،والخطاب الراقي ،فإنه يغدو حق لازم لابناءنا وطلبتنا وهم ينهلون من روافد لغتهم الجميلة ،أن توضّح لهم مواطن الضعف والقوة الأخلاقية فيما يدرسون ،ليس فقط في مجال الشعر ،بل في مجالات الأدب الواسعة كلّها ،ولكي لا نستيفظ ذات ذات يوم ،وإذا مرجعيتنا في معرفة تاريخ وأدب الأمة وسيرة خلفاءها ومجالات تميزها ،هو تلك الحكايات المختلّة الأداء والمعني في كتاب ألف ليلة وليلة وما شاكلها من المصادر
إن أخلاقيات الامّة لتغدو في مهب الرّيح ،حين يتلقّى أبناؤها معلوماتهم ،في أي مجال غير منقّحة ولا مصوّبة ،ودون أن تمرّر تلك الثقافات التي يتلقونها كمسلّمات على ميزان الإسلام، لتاخذ الإسم الصحيح والصفة الصادقة لها ،ولكي تعرّف حقّا على أنها إسلاميّة او جاهلية
ومرّة أخرى كل الشكر للدكتور مخيمر صالح الاديب الحريص على القيم الأخلاقية الأدبية لدى طلابه وقرّاءه
اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا