صباحاً قالت لأمها وهي تدور حولها " أريد لعبة ودفتر رسم وألوان "
نهرتها أمها وأخبرتها أنهم لا يملكون ثمن الطعام وأن حياتهم لا لون لها...."
وفي المساء حين نضجت فكرة في رأسها وسمعت صوت بدء اللعبة التي يمارسها الجنود كل يوم بشغف ودون انقطاع, يرسمون بلون أحمر لوحات كثيرة لكنهم دائما يتركون علب الألوان على الأرض ويغادرون.
تساءلت "من أين يحصلون على اللون الأحمر..."
كانت اللعبة في أوجها حين مدت للخارج ساقها وحلمها وكل الأفكار الشيطانية الطفولية التي كانت تحملها للهو والمرح...هرولت نحو مصدر الصوت الذي كان يعلو ويعلو كلما أوغلت إليه...لكنها شعرت بالخوف.
بكت دون أن تدري...."يا ماما "....والمطر كان ينهمر باكيا هو الآخر فوق جراح غزة وذاكرتها...تلك المدينة الطفلة.
نظرت حولها كانت آلة كبيرة تنتصب قريبا منها, أكبر مما تصورته في خيالاتها وأحلامها الصغيرة... وشعرت أنها لعبة خرافية وسحرية من نوع مختلف...وأنها ستختال بما فعلته أمام إخوتها ..وحيد , غريب , أمل .
سارت نحو الآلة التي سمتها "جرّافة " وفي عينيها الواسعتين رغبة جنونية في المغامرة.
اختبأت خلف جدار قريب لأن صوتا داخليا همس لها بالاختفاء ...
"إنهم مخيفون...وكبار جدا "
نظرت بعينين مفجوعتين وذاهلتين إلى ثلاثة رجال ببزات عسكرية وحضور مهيب
ضحكت في سرها " إنها مغامرة من نوع مختلف..."
تذكرت ..!
قالت لها أمها ذات يوم " هناك جنود يخرجون في الليل يأكلون الناس..والفرح "
هاجس ما تحرك داخلها " اهربي..."
عادت بساقيها للوراء ومشت مبتعدة عن المركبة...قلبها ينبض بسرعة وجسدها يرتعد بردا ..
لذا قررت أن تجري بسرعة دون أن تلتفت حولها..." البيت.."
شعرت بألم مفاجئ " لقد أصابتها الرصاصة ...في كتفها الأيمن .. وقعت على الأرض ذاهلة ومتألمة , بدأت تبكي وتئن ..وغمامة من الذكريات الضبابية ملأت الكون حولها ...برد ورحيل وليل دموي يسرق كل شيء .."
صرخت ..
لا أحد كان يسمعها ..تلمست مكان الألم .." سائل أحمر"..ابتسمت ..
وغابت عن الوعي بعد أن رسمت لوحتها بنفسها..."
( كوثر حمزة محمد _ قسم الصحافة )