ليس غريباً اقتراح النائب الإسرائيلي المتطرف نيسان سلوميانسكي من حزب البيت اليهودي ، مشروع " قانون الاقصاء " الذي يستهدف إبعاد النواب الفلسطينيين العرب عن الكنيست ، كممثلين منتخبين يمثلون شعبهم من مناطق 48 ، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، ليس غريباً عليه أن يفعل ذلك استجابة لطلب ورغبة نتنياهو شخصياً لسلوميانسكي ، باعتباره رئيس لجنة القانون في البرلمان ، فالتحالف السياسي العنصري المتطرف بين حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو وحزب البيت اليهودي الذي يقوده ليبرمان ، تحالف مبني على توجهات العداء الصهيوني المشترك نحو الشعب العربي الفلسطيني سواء أبناء مناطق 48 ، أو أبناء الضفة والقدس والقطاع ، ومعاقبة النواب الفلسطينيين على مواقفهم الوطنية والقومية تعبيراً عن سياسة الاقصاء والتهميش العنصرية التي يمارسها المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ، بكل محتوياتها وأبعادها .
لقد سبق وأن اقترح ليبرمان رفع نسبة الحسم لدخول الكتل السياسية البرلمان من اثنين بالمائة من عدد المصوتين في صناديق الاقتراع كما كانت في انتخابات البرلمان السابق عام 2013 إلى ثلاثة وربع بالمائة كما حصل في دورة البرلمان الحالي عام 2015 ، وكان هدف ليبرمان من رفع نسبة الحسم هو إعاقة دخول النواب العرب إلى البرلمان الإسرائيلي ورهانه على تفسخ الوسط العربي وعدم التفاهم بين الأحزاب العربية الرئيسية من الشيوعيين والاسلاميين والقوميين ، فكانت المفاجأة أن قادة الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48 توحدوا في ائتلاف مشترك يوم 22/1/2015 ، وخاضوا الانتخابات موحدين يوم 17/3/2015 ، وأدى ذلك إلى زيادة عددهم من 11 نائباً إلى 13 نائباً فلسطينياً في البرلمان الإسرائيلي ، وبذلك وجهوا صفعة لكل من ليبرمان الذي اقترح قانون رفع نسبة الحسم وهبط تمثيله من 11 نائباً إلى ستة نواب ، ولنتنياهو الذي عبر عن عنصريته العلنية بحث اليهود على الذهاب إلى صناديق الاقتراع لأن العرب ذهبوا موحدين مثل الدبابير إلى خيار الانتخابات لتأكيد تمثيل أنفسهم في مواجهة سياسات التمييز التي يُعانون منها .
ورداً على وحدة الفلسطينيين وتماسكهم وخوضهم الانتخابات بقائمة مشتركة ، وقع نتنياهو في شر تصريحاته وأفعاله العنصرية التي سببت له الادانة أمام المجتمع الدولي وخاصة من قبل الرئيس الأميركي أوباما ، وذهب باعتباره رئيساً للحكومة في خطوة عدوانية إضافية بإخراج الحركة الاسلامية عن القانون وإغلاق مؤسساتها الجماهيرية والخيرية والتعليمية ، متوهماً أن هذا الاجراء سيرعب الوسط العربي الفلسطيني ، ويدفعه للتراجع السياسي ، والأنكفاء إلى الخلف ، وخلق فجوة وهمية بين الحركة الاسلامية وسائر القوى السياسية الفلسطينية ، ولكن الوعي والمصلحة الوطنية بين مختلف المكونات الفلسطينية انتصرا في مواجهة سياسة نتنياهو وألاعيبه وإجراءاته .
وانتقل نتنياهو من الهجوم على الحركة الإسلامية ، إلى استهداف نواب حزب التجمع الوطني الديمقراطي الثلاثة جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس ، بحجة إجتماعهم مع عائلات شهداء القدس ، على خلفية مطالبتهم بإعادة جثامين الشهداء المحتجزين ، مما يدلل على وجود صراع سياسي محتدم بين ممثلي المشروعين الوطني الديمقراطي الفلسطيني والاستعماري التوسعي الإسرائيلي ، ولا توجد قراءة بديلة لهذا الفهم ، فالقراءة الاسرائيلية للصراع وفهمه والتعامل على أساسه ما زالت هي الأوضح سواء في التقييم أو في الاجراءات أو العمل من أجل تحقيق النتائج بمواصلة العمل على جعل فلسطين وطناً خالصاً لليهود ، ولا زال الفهم الفلسطيني قاصراً على إدراك الصراع الكلي وأدواته في مواجهة سياسات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي التدريجية ، وإذا كان الفهم والوعي الفلسطيني بين أبناء وأحزاب وشخصيات مناطق 48 أكثر تقدماً ، فالأداء الفلسطيني لدى قيادات مناطق 67 ولدى الفصائل ولدى السلطة دون المستوى المطلوب ، على الرغم من التضحيات الكبيرة التي يُقدمها الشباب والشابات وبسالتهم غير الطبيعية في استعمال إدوات بدائية ضد رموز الاحتلال ومؤسساته ، مهما بدا تقييمها من قبل المؤسسات الدولية خلافياً ، ولكن تضحياتهم وبسالتهم تشكل عوامل إدانة للفصائل وللقيادات ولسلطتي رام الله وغزة كعناوين للإنقسام والانشقاق والانحدار السياسي ، فالعمل الفردي غير المنظم تعبير عن حجم الرفض الجماعي لمشروع الإحتلال برمته .
ومقابل المبادرات الفردية ذات الطابع الكفاحي الباسل يشهد الوضع الفلسطيني التمزق والشرذمة والصراع بين طرفي الانقسام خدمة مجانية للعدو الوطني والقومي ، وهي بلاهة سياسة تؤدي إلى ضياع بوصلة أولويات العمل الكفاحي الفلسطيني ، فثورات الشعوب التي انتصرت على مستعمريها ، وضعت الأولوية على مقارعة العدو ومناهضته وتغليب التناقض معه وضده على حساب الخلافات والاجتهادات والتباينات البينية ، وما يشهده الوضع الفلسطيني عكس ذلك تماماً حيث يتم تغليب الخلافات ولها الأولوية في العمل مع تجميد للصراع مع العدو في ظل التنسيق الأمني والتهدئة الأمنية .
لقد فجر الثورة الفلسطينية أبناء اللاجئين من مخيمات التشرد رداً على نكبة 48 ونكسة 67 ، وكانوا وقودها وعناوين تضحياتها حتى الانتفاضة الأولى 1987 ، حيث بات أبناء مناطق 67 هم عناوين النضال والأداة والفعل ، ولكنه تجمد بعد الانقلاب والأنقسام والتراجع عام 2007 ، لينهض أبناء 48 على طريق يوم الأرض وأيام الأقصى والقدس وها هم يواصلون المشوار في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته وعنوانه نتنياهو وليبرمان وكل طاقم التطرف والعنصرية الذين يقودون حكومة تل أبيب وبرلمانها .