وكانت سوريا الحلقة الرابعة ، التي توقف عندها وفيها قطار الربيع العربي ، ولم ينفذ نتيجة عدم تكامل الأدوار بين العوامل الثلاثة " المجتمع المدني والجيش والقرار الدولي " ولم تفلح في إستكمال وظائفها ، وتكاملها مع بعضها لإسقاط النظام وتغييره ، فمؤسسات المجتمع المدني لعبت دوراً مبادراً ناجحاً بما يليق بها ، وبما هو مرسوم لها ، ووجدت الغطاء الدولي المناسب ولكنه لم يكن كافياً لتحقيق ما هو مطلوب كما حصل في المحطات الثلاثة السابقة ، وقد تم إستبدال الغطاء الدولي بالغطاء الاقليمي الذي كان أكثر حضوراً وتطرفاً ولهفة ، داعماً لحركة المعارضة وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين وغيرهم من الاتجاهات الاسلامية والأصولية التي تسيدت المشهد الثوري على الأرض وفي الميدان ، بدعم تركي وخليجي .
لم تكتمل أدوار العوامل الثلاثة مع بعضها في سوريا ، فإذا إستثنينا العامل الأول المجتمع المدني ، فقد أحبط العامل الثاني وهو الجيش الهدف حيث بقي الجيش السوري متماسكاً موحداً ، ولم تخرج منه وعنه ما يمكن أن يضفي خللاً على أدائه ، بإستثناء حالات فردية سواء من كبار الضباط أو الأفراد ، ولكنها سُجلت كحالات فردية لم تترك أثرها العميق على المؤسستين العسكرية والأمنية إضافة إلى المؤسسة الحكومية والدبلوماسية وكذلك مؤسسات حزب البعث ، والتي بقيت في أغلبها متماسكة موحدة ، وصدت بما تملك من إمكانات المواجهات المسلحة ضد المعارضة السورية المدعومة بأطراف دولية وإقليمية .
أما العامل الثالث فهو أيضاً كان حاسماً في فشل برنامج إنتصار الثورة وإحباط مخططها وحصيلة هدفها ، فقد أدى العامل الثالث الدولي دوره الكامل في توفير الغطاء لعمليات التغيير في البلدان الثلاثة تونس ومصر وليبيا ، ولكن لدى سوريا ، إنقسم العامل الدولي ، حيث وقفت روسيا والصين مع نظام الرئيس بشار الأسد ووفرت له عوامل الصمود وأدواته ، بينما وقفت الولايات المتحدة وأوروبا مع المعارضة المسلحة ودعمتها ، وإنعكس ذلك على شكل وحجم الدعم المقدم من الطرفين المتصارعين على الأرض ، وحصيلته إخفاق الثورة والمعارضة المسلحة من تحقيق غرضها في إسقاط النظام السوري وتغييره .
نجاح ثورة الربيع العربي ، في كل من تونس ومصر وليبيا يعود لتوفر عوامل الانفجار والأحتجاج والرفض كما هو حاصل لدى البلدان الثلاثة ، سواء توفرت كافة العوامل المحفزة أو بعضها على الأقل ، بعيداً عن الرغبات الذاتية ، أو الرؤية الأحادية نحو ما هو سائد وهي : 1- غياب الاستقلال السياسي والأقتصادي ، و2- عدم توفر العدالة الاجتماعية ، و3-الافتقاد للديمقراطية ، وهي لم تكن متوفرة لدى سوريا مثلها مثل تونس ومصر وليبيا ، حيث أخفق النظام في دمشق طوال عقود مضت على تحقيقها وتكاملها وإن كانت أقل في بعضها أو أكثر مع بعضها الأخر مقارنة مع البلدان العربية ، ولكن تكامل أدوار مؤسسات المجتمع المدني مع الجيش مع الغطاء الدولي ، توفر لدى البلدان التي نجح فيها التغيير وأخفق في سوريا لأن العوامل الثلاثة لم تتوفر فالجيش السوري بقي متماسكاً مع النظام ، والغطاء الدولي إنقسم إلى قسمين ، ولم يكن موحداً كما حصل مع تونس ومصر وليبيا وكما سبق وحصل في العراق ، وقد سبق لمسؤول روسي أن قال لمسؤول عربي " لقد خطفت واشنطن العراق وليبيا في غفلة من الموقف الروسي ، ولكنها لن تتمكن من فعل ذلك في سوريا " ، وهذا ما حصل حيث حمت روسيا النظام من السقوط والأنهيار ، وتراجعت الولايات المتحدة بعد أن فشلت خلال خمس سنوات من تحقيق غرضها بتغيير النظام السوري ، فوقع التفاهم الروسي الأميركي البديل ، وهو إتفاق وقف إطلاق النار وفرض التهدئة تمهيداً للتسوية المنتظرة .
مما يدلل في قراءة متأنية لحصيلة ثورة الربيع العربي ، سواء في نجاحها في إسقاط أنظمة ، أو إخفاقها في إستكمال خطوات المطالب والتطلعات داخل كل بلد عربي وهي إستكمال مضامين الاستقلال السياسي والأقتصادي وشروطه ، وتوفير العدالة الاجتماعية المفقودة ، وتحقيق الديمقراطية الغائبة وطالما لم يتحقق ذلك ، ستبقى ثورة الربيع العربي محطة ، ولكنها ليست المحطة الأخيرة ، حيث بات من الضرورة الوصول إلى محطة أو محطات لاحقة توفر للإنسان العربي أنظمة ذات حكومات برلمانية حزبية لدى البلدان الملكية ، ورؤوساء منتخبين لدى الأنظمة الجمهورية ، وبذلك ولوحده يمكن تحقيق المطالب الضرورية والملحة وهي إستكمال الاستقلال وتحقيق العدالة وتوفير الديمقراطية وهذه لن تتم إلا من طرف حكومات برلمانية حزبية ومن رؤساء منتخبين ، وهذا لن يتم إلا عبر صناديق الاقتراع أي عبر إرادة الشعب ورغباته وإنحيازاته .
فشل الربيع العربي في سوريا
أخبار البلد -
تكاملت الأدوار الثلاثة لِـ : مؤسسات المجتمع المدني ، والجيش ، مع الدولي ، في صناعة ثورة الربيع العربي منذ عام 2011 ، في تونس ومصر ولدى ليبيا ، فمؤسسات المجتمع المدني حَرّكت الشارع ضد الأنظمة الثلاثة بعد أن وظفت حاجة المواطن العربي للخدمات الحيوية وللعدالة الأجتماعية وللديمقراطية ، وهو ما عجزت الأنظمة العربية على تقديمه وتوفيره لمواطنها ، واستجاب الجيش لحراكات الشارع الاحتجاجية ، ووجد التحريض والغطاء والمتابعة الملازمة للأحداث من قبل صُناع القرار الدولي لدى الأميركيين والأوروبيين ، في كل من جيشي تونس ومصر اللذان قادا عملية تغيير حسني مبارك وزين العابدين بن علي ، ولكن الجيش الليبي لم يتجاوب مع التحريض الدولي ، ولم يتعاطف مع حراكات الشارع الاحتجاجية ، فأكمل القرار الدولي حصاره وإنقضاضه وتدخله القتالي المباشر ، فأسقط نظام القذافي بالعمل المسلح الأميركي الأوروبي .