والعربية السعودية وتركيا تعملان للحفاظ على امنهما ودورهما وتعزيزه، من اجل دعم المعارضة السورية المسلحة، لكل اجنحتها، بشكل او باخر، فالاهمية للرياض وانقرة هو اضعاف نظام الرئيس بشار الاسد تمهيداً لرحيله وتغييره .
لا مفردات الديكتاتورية والديمقراطية والتعددية والطائفية ودمار سوريا وخراب مؤسساتها وتشريد شعبها له الاولوية لدى هذه الاطراف الاقليمية والدولية او تلك، سواء التي تدعم النظام، وتلك التي تدعم المعارضة، فالاولوية بالنسبة لهم، لطرفي الصدام الاقليمي والدولي هو عدم تمدد المعارك من داخل سوريا الى خارجها، وعدم تاثير هذه المعارك على امن هذه الاطراف، فالطرفان المتقاتلان على ارض سوريا وعلى حساب شعبها، يقومان باجراءات استباقية حتى لا يصل لهيب المعارك لبلدانهم عبر المعارضين لهم الذين يتقاتلون على ارض سوريا وبلحم شعبها ودمائه .
المصلحة هي الاساس، وهي عنوان الحرب ودوافعها، فالذين يقفون مع الشرعية في سوريا هم ضد الشرعية في اليمن، والذين يقفون مع المعارضة السورية يحاربون المعارضة في اليمن، وهكذا تستمر الحروب البينية بين العرب وشركائهم في المواطنة والمصير وعبر التاريخ ونحو المستقبل، في مشهد تنطبق عليه المفردة الشعبية " ليخه " لبن، قشطة، تمر هندي، وفق الوصفة الاحتجاجية المصرية، الكل متداخل مع بعضه وضد بعضه، مثل اكلة المقلوبة الفلسطينية، لا يستطيع المراقب فرز المكونات المتقاتلة عن بعضها البعض، وعليه ان يتعامل مع طبخة المقلوبة كما هي وليس كما يرغب !! .
ليست دوافع الاطراف المساندة لطرفي الصراع والاقتتال نبيلة المقاصد، تعكس حرص قياداتها واصحاب القرار في عواصمهم، الارتقاء نحو الذهاب الى الجنة، فالجنة لا تمر عبر دمشق، بل ما يمر عبر دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء هو مصالح ونفوذ، كما قال قائد الحرس الثوري لولاية الفقيه، والتنافس بين طهران وانقرة، لا تعني ان طرفا اصلح من طرف، او اطرى من طرف، فكلاهما يعمل على تماسك اوضاعه الداخلية على حساب العرب وامتداداته الخارجية في قلب العالم العربي، تحت حجج ودوافع وشعارات ونوازع مختلقة، فالنفوذ الاقليمي الايراني هو احد العوامل التي فرضت على الولايات المتحدة للتوصل الى الاتفاق النووي ورفع الحصار الظالم عن ايران، ومثلها مثل تركيا السعي للجلوس على طاولة الشراكة مع الثمانية الكبار او مع اقوى عشرين دولة اقتصادية في العالم من موقع الندية مع الاخرين .
ايران وتركيا ليستا اوضاعها الداخلية بعيدة عن تعددية سوريا والعراق والسعودية ومصر والسودان والمغرب، فالتعددية العربية الافريقية، والعربية الامازيقية، والمسلمين والاقباط، والسنة والشيعة، والعرب والاكراد، وايران وتركيا لديهما من هذا كله، فالفرس والبلوش والعرب والاكراد تجمعهم اراضي الدولة الايرانية، ومثلهم وغيرهم يضمهم الشعب التركي، ولذلك ما يجري في سوريا والعراق واليمن من انقسام سيرتد عليهما لانهما لا يقران بالتعددية ولا يحترمان القوميات الشقيقة، ومكونات شعبي ايران وتركيا هي التعددية، ولهذا يلعبان بالنار اذا واصلا التحريض والتلاعب بالمكونات التعددية في سوريا والعراق، ونار الفرقة والانقسام وتمزيق الشعبين السوري والعراقي ستصل الى اجواء وجوف ومسامات الايرانيين والاتراك، واستمرار تغذية التحريض الطائفي والقومي على ارض سوريا والعراق، واغراق مكونات الشعب الواحد بالخلافات، ليست في مصلحة البلدين، فليس كل الشيعة مع ولاية الفقيه، وليس كل السنة مع تركيا، وليست سياسات كردستان العراق نموذجية، حتى ولو واصل الحزب الديمقراطي برئاسة الرئيس البرزاني من اربيل مهادنا لتركيا، وواصل الاتحاد الوطني برئاسة الرئيس الطلباني من السلمانية متحالفاً مع ايران، وبينهما يقف الحزب الثالث جماعة التغيير ما بين هذا او ذاك .
ما زالت الاطراف الاقليمية تمارس العمل والتحريض داخل سوريا وفي قلب العراق، بدون ان تدرك عواصم الاقليم ان العرب والاكراد سيبقون معاً وجيرانا، وان السنة والشيعة لا فكاك لهما وبينهما، واينما وجد مسلمين هناك مسيحيون، هذا ما ورثناه من اجدادنا، ورثنا التعددية وعلينا ان نخلفها لاولادنا، فهذه الارض انجبت اليهودية والمسيحية والاسلام وخلفتهم عبر الاجيال ولن تستطيع التخلص منهم وها هي الكنيسة الكاثوليكية بعد الف سنة من القطيعة والمناوشات، وبعد مجازر دامية منذ عشرات السنين تتوصلان لتفاهم ومن ثم اتفاق مكتوب بين البابا فرنسيس وبين البطريرك كيريل، فالادعاء بالحق وامتلاك الحكمة ونزعها عن الاخر لم يعد خياراً مقبولاً، فالتعددية هي الاساس وهي الاصل وعليها يمكن التعايش .
كعرب لا مصلحة لنا بالصدام مع قوميات الدول المجاورة لنا، تركيا وايران واثيوبيا، فهي دول ذات كثافة سكانية كبيرة، وتتحكم بحياتنا مثلما نتحكم بحياتها، لا هي قادرة على استئصال العرب، ولا نحن قادرون على شطب جيرتهم لنا، ولذلك علينا ان نبحث عن القواسم المشتركة التي تجمعنا واياهم، فمياه دجلة والفرات، ومجرى النيل، وشراكة بحر الخليج، مع تركيا ومع اثيوبيا ومع ايران، يمكن ان تتحول الى شراكات قوة وتنمية واستقرار لنا ولهم، وادوات تعاون ومنافع ومصالح متبادلة بدلاً من المناكفة والصراع والاقتتال والنزيف المتواصل، لقد استمرت الحرب بين العراق وايران ثمانية سنوات، لا العراق تمت هزيمته ولا ايران خنع مستسلماً، وكلاهما بقي واقفاً بجانب الاخر على رجليه .