يقيناً أننا دفنّاه ولن أصدق أنه مات فبمثله نعرف معنى الحياة
أربعون انقضت، مثل غمامة
ثقيلة سوداء على صدري ، فهل غبت حقاً، أعلم يقيناً أنني ويا وجعي أهلتُ على قبرك
التراب ولكنني لست متيقناً أنك مُت، أغالب قطرة ساخنة تجتاح وجهي حين تسألني مٓن إئتمنتني
عليها وأمسح سخاء العين حين يسألني أحفادك بلوعة عنك، فلم تكن جدهم فقط ولا والد
زوجتي، كنت على مدى ١٥ عاماً وهج العقل وقِبلة الروح ومهوى الفؤاد، فقد أشرقت ليٓ
الدنيا بأن منحتني القُرب منك تلميذاً وإبناً ورفيق
وجع وعلاج، كنت المدرسة التي أتقنت من خلالها معنى الحياة، وكنت أكثرهم حظّاً بأنني
وفي سنواتك الأخيرة كنت معك وتحت جناحيك فوسمتني كما قال الشاعر شرفاً وكيد حواسد،
ولا ضير من ذلك لأنني كنت الأكثر حظاً بصحبتك ورفقتك والتعلم منك، فأنت من صنف
الرجال الذين لا يُعوضون فالدنيا لم تنجب الكثير منك وهذه ليست شهادتي بل شهادة كل
من عرفك وخالطك وعرف طيب معشرك وحنانك وعطفك على من حرمتهم الدنيا وقست عليهم
تصاريف الحياة وكأن لسانهم مع لساني يهتف :
أمَّـا الحـنانُ فـقد رأيـتُه عند قبرِكَ ... باكيًا يرجــــوكَ بعــضَ
حَنــــانِ
كُـنهُ المـروؤةِ والـرجولةِ والـشها مةِ ... والشجاعةِ بعد موتـِك فـــانِ
سيدي لما رحلت باكراً وتركتني، أشدو على وتر الفراق، أنتظر الدرس التالي في
مدرسة أسّستها على التقوى والصلاح ولم أكمل بعد دروسي في الحياة ولم أكمل بناء
زوادة الخبرة والمعرفة التي بنيتها يوماً بعد يوم، ومٓن ينجدني بالنصيحة الخالصة،
والخبرة المُعتقة بالطُهر والإخلاص فيا ويحي :
مـاذا أقـولُ وهل كـلامي مُنصِفٌ ... في حــقِّ قُطـبٍ راســخٍ رَبَّـــاني
لو قلـتُ دهـرًا ثم دهـرًا لـم أكُن ... أنصفـتُ مِنـه لــقاءَ مــا
رَبَّـــاني
مُعلمي وسيدي لما فردت جناحيك باكراً للرحيل، ولماذا اعتنقت سلاح الفراق،
وكنت في غير هذا الزمان القبيح التجاعيد تُمطرني فرحا ومعرفة وخبرة، كنت أرفع رأسي
فخراً بقربك ثم أجاهر فخراً بنسبك وانت تركت لنا السيرة العطرة واليد الطاهرة النظيفة
وسيرة رجل عصامي ثابر وكافح فأصبح للنجاح قصة تُروى وسنرويها أنا و أولادي أبد
الدهر، فنم يا حبيب الروح فكل ما تعلمناه منك حاضراً في وجداننا وأمانتك بروحي أصونها
وأحميها، فنم ياحبيبي ساعة عليك ضفائر روحي وعليك السلام واستنجد من الشعر خاتما :
لا تُعَـزُّوني وعَـزُّوا هـذه الــدُّ نـيا ... الـتي خَسِـرَت عَظيمَ
الــشانِ
خَسِرَت إمامًا كـان طُـولَ حيـاتِـه ... وَرِعـًا تَقِـيًّـا خــالِصَ
الإيمــــانِ
ما أَمَّ يـومًا فـي المـساجـدِ إنـما ... أَمَّ العُقـولَ بِمـوكـبِ
العِــــرفانِ
رَجُـلٌ كِتـابُ اللهِ فـي جَـنَبَـاتِه ... ورَحيـبُ صَــدرِه فاضَ
بالقــــرآنِ
والخـيرُ مـنه يُـشِـعُّ دون مــشــقَّةٍ ... لِسُــؤالِه فتُـجيبكَ
العيـــنانِ
مـا كــان يُطـمَعُ قَبـلَه في غَيـرِه ... لا بَعدَه يُخشـى مِـن
الخُســـرانِ
ابنك أندريه الحواري وعائلته