كانت المراهقة في زماننا شكلا ً من أشكال الفروسية وكانت الجاهلية حاضرة في بعض تفاصيلها مع بعض تعديلات طفيفة تقتضيها طبيعة العصر لم تكن رسالة الحب آنذاك تختلف ُ كثيرا ً عن الحوليات فهي عمل مدروس بعناية تتطلب منك أنْ تشد الرحال نحو شخص ذاع صيته في الكتابة لتشرح له قصتك الحزينة فيعطيك موعداً ليسلمك الرسالة التي تفنن فيها واستحضر كل نظريات علم النفس في طرق الإيقاع والإغواء كانت الرسالة تمكث ُ في جيبك زمنا ً طويلا ً مرهونة بالتساهيل والتساهيل هنا هي الصدفة البحتة حين ترى محبوبتك فتستجمع كل قواك كي تسلمها لها باليد في عمل بطولي ملحمي مستلهم ٍ من قصص الأبطال الأوائل وكأنك تقمـَّصت َ شخصية عنترة بن شداد العبسي فتلقي بمُهرك في العجاج ِ حتى إذا خاضه شهدَ الوقيعة غير َ محجـَّل ِ .
وبنات المدرسة بمرايلهن الخضر ينظرنَ إليك كفارس ٍ مغوار وينظرن لصديقتهن نظرة الغيرة والحسد على حظها في الفارس المغوار وإنْ خانتك َ الشجاعة قليلا ً ألقيتَ رسالتك على الأرض قريبا ً منها فتلتقطها وعشرات العيون من الصديقات يتولين الحراسة والمراقبة حتى تمام المهمة وتحقق الهدف .
كان إجراء مكالمة على الهاتف الأرضي آنذاك يشبه إلى حد ٍ كبير العملية الاستشهادية على ما فيها من مخاطر وأهوال .. كنت َ تبالغ ُ في رش العطر على الرسالة لأنك تدرك ُ أنَّ مكوثها في جيبك ردحا ً من الزمن سيغيـِّر من ملامحها قليلا ً وربما ذهبَ العـَرق ُ ببعض الأحرف والكلمات !! أما الردُّ على الرسالة فكان حكاية مكررة لا تختلف عن سابقتها إلا في أسماء المرسلين والمرسل إليهم !!! كان المراهق في زماننا ثوريا ً طائشا ً هائجا ً يحمل روحه على كفه في سبيل محبوبته ومع تقنيات هذا العصر تساوى الثائرون والعملاء والسادة والعبيد والحرائر ُ والإماء فصار بمقدور كل مـَن هبَّ ودب أنْ يكتبَ ما يشاءُ لمن يشاء ويرسل َ ما كتب َ متى شاء كل ذلك بضغطة زر ٍ واحدة !! في زماننا كانت المراهقة بطولة ً .. وفي زمانكم صارت المراهقة ُ همالة ً ودشارة ً وقلة حياء !!