من يتابع حياة بيل غيتس مؤسس شركة ميكروسوفت العملاقة يجد أنها جديرة بكل اهتمام لما وصل اليه الرجل من ثراء وضعه يوما في رأس قائمة اثرياء العصر ولو اعتبرنا الرجل دولة ضمن تصنيف الدول حسب الدخل القومي لترك أكثر من مئة دولة خلفه وتزيد ثروته عن دخل دولة تعد أكثر من ستين مليونا من النفوس.
قد يقول قائل أنه ليس وحده في هذا العالم الذي حقق الأموال الطائلة والثروات الضخمة بل هناك العشرات ممن حصدوا ثروات من فئة التسعة اصفار ومنهم من فاقه إذا اعتبرنا المنافسة محصورة بأرقام واوافق تماما على ذلك مقرونة بـ لكن.
تبدو حياته مثيرة منذ بدايتها فهو مهندس بسيط من أسرة عادية لكن نبوغه وحده صنع قصة نجاحه وعندما دخل عالم المال والأعمال بدأ بشركة صغيرة في كراج بيته الا أن عمله في تطوير الحاسوب آنذاك بعزيمة وإصرار صار محط انظار وإعجاب ورغبة الجميع في العمل والتعاون معه لكنه واصل صعوده بمفرده مما نتج عنه أن اخرج العديد من المنافسين من السوق لكن بذكائه لا باحتكاره. اجتمعت لدى الرجل أهم ثروتين العلم والمال فحقق ما عجزت عنه الأوائل-
فعلا لا شعرا- فتقدم العالم بفضل شركته وحقق بشخصه رقما ثرائيا قياسيا وما يلفت أن الرجل لم ينتفخ بثروته أو نظراليها وسيلة لتحقيق الرفاهية له وأسرته فقط بل كان له نهجا خاصا في التعامل مع الثروة بمسئولية رفيعة. فقد خصص أكثر من نصف ثروته (المقدرة حاليا بستين مليارا) للمساعدات والأعمال الخيرية حول العالم ووصلت تبرعاته إلى مختلف أنحاء العالم حيث انقذت الكثيرين من الموت. عندما يتحدث عن أسرته المكونة من زوجة وثلاثة أبناء فهو يطرح فلسفة تستحق التأمل فهو يرفض أن يحيا أولاده حياة الأثرياء والاعتياد على التبذير حتى يشعروا بأهمية العمل وقدسيته ويعتقد أنه ليس من صالح أبناءه لحاضرهم ومستقبلهم أو من صالح المجتمع أن يترك بين أيديهم ثروة طائلة لذلك سيبقي لهم قليلا من المال من أجل استكمال مسيرته الناجحة وإعلاء ما بناه من صرح بجهده وعرقه.
الزوجة تساير الفلسفة ذاتها وتعتبر أن الثروة المطلقة مثل السلطة المطلقة مفسدة ما بعدها مفسدة محذرة من أن الأبناء الذين يتربون على الإنفاق دون حدود والتبذير وعدم الشعور بالحاجة يقعون في الغالب في براثن الفشل. تقول إنها تحرص على ألا تمنح أولادها إلا ما يكفي حاجتهم من مصروف، لدرجة أن هذا المصروف لا يتيح لهم إلا شراء الهامبورجر من المحلات رخيصة الثمن، وليس من المحلات الفاخرة مرتفعة الأسعار" وهي ترفض الدلال المبالغ به للأطفال بل تعتبره ضد حقوق الطفل وهو ما تؤكده النظريات التربوية الحديثة. يحدد الرجل خمسة طرق للوصول إلى السعادة:
لا تكره، لا تقلق، عش حياة بسيطة، خفض سقف توقعاتك، اعطي أكثر للمحتاجين. يتناثر اثرياء كثرفي هذا العالم لكن معظمهم قلب نفسه وحياته إلى خواء من خلال انفاق غير مسئول في غير مكانه أو زمانه وسلوك مبتذل غير رشيد امّا الرجل فتبدو كلماته مفعمة بالحكمة والرصانة ولا يتنطحن احد بالحديث عن اصله وفصله ودينه ودنياه ومذهبه ولغته وتاريخه. كم تبدو حياة الكثير منا في دوامة أو قل سذاجة مطلقة عندما ننظر إلى ما بين أيدينا وسلوكنا في الحياة آباء وأمهات وأبناء عندما نحمّل انفسنا فوق طاقتها عندما نصر على التنافس والتفاخر مع الآخرين في اقتناء الممتلكات والتفاخر بأرقام وشراء الماركات-التي وصفت يوما بإنها اكذوبة الأغنياء على الفقراء- وادّعاء النجاح لكن الواقع ينبئ عن بؤس وافلاس ومظاهر زائفة. الا تستحق حياة هذه الأسرة التأمل والاقتداء من أهل الثروة كما الفقراء؟ الدوحة/قطر